سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 2 الخميس أغسطس 14, 2008 6:38 pm | |
| الفصل الثانى الصعود و الهبوط الداء والدواء
من البديهى أن الإسهاب فى الحديث عن قصة البطل المظفر صلاح الدين الأيوبى لا بد وأن يسبقه ايضاح لحجم الإنجاز الذى نجحت هذه الشخصية فى تحقيقه. و بالتالى فان القيمة الحقيقية لذلك الإنجاز انما تتجلى عند مقارنة الوضع المتردى الذى كانت الأمور قد آلت اليه قبل ظهور صلاح الدين، بالحال الذى تبدل نتيجة الصحوة التى قادها ذلك القائد الفذ. و من الضرورى معرفة الى أى حد تردت الأوضاع بالأمة حينذاك حتى يكون هناك ادراك دقيق لمدى احتياجها الى شخصية مثل صلاح الدين الأيوبى. و لذلك فلسوف نعرض فى بابين لأحوال الأمة قبل تولى صلاح الدين مقاليد الأمور. ففى هذا الباب يكون الحديث عن عصر ما قبل صلاح الدين، فى حين يتناول الباب القادم ملاباسات الوضع قبيل ميلاده مباشرة. و لما كان عنوان الباب بين يدينا يشير الى مقدرات و امال و انجازات الأمة فكان لا بد أن يكون الحديث عن سيرة صلاح الدين مسبوقا بعودة الى مراجع السير و المغازى بما تحويه من تاريخ أمجاد الأمة الإسلامية حتى يترسخ شعور التنكر لمرحلة الضعف التى وصلت اليها الأمة حاليا لدرجة أن التصنيف الذى يلحق بنا يجعلنا من دول العالم الثالث، وهل نحن فى انتظار مثلا أن ينحدر بنا التصنيف الى أقل من ذلك؟! ما أصعب تقبل الوضع الحالى عند مقارنته بما كان عليه فى الماضى.
ليس النصر بالعدد و العدة... و لكن النصر من عند الله
و لذلك، كان لا بد من البحث عن أسباب الإنحدار الشديد الذى تعيشه الأمة حاليا بعد أن قدر لها سيادة العالم فى وقت من الأوقات. فمن أين اذن جاءت هذه الإنتكاسة؟ فى الواقع،الإجابة على ذلك تتطلب استعراض القصة من أولها، أى منذ فجر الإسلام و بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم. و كما نعلم، بعث الرسول الكريم فى مكة ثم انتقل الى المدينة مهاجرا، ثم بدأت المناوشات و المعارك بين المسلمين و بين المشركين. و كانت غزوة بدر هى أولى هذه المعارك والغزوات. و فى ذلك الوقت كان المجتمع الإسلامى لا يتعدى ألف فرد. وعندما أمر الرسول بالجهاد و الخروج فى سبيل الله خرج معه الى بدر 313 مجاهدا فى حين بلغ عدد المقاتلين من قريش الألف... أى ثلاثة أضعاف عدد المسلمين! و مع ذلك كان النصر حليفا للمؤمنين. أما فى أحد فقد زاد عدد المسلمين الى سبعمائة فى مواجهة ثلاثة الاف من المشركين. و بالرغم من هزيمة المسلمين فى أحد إلا أن إنسحابهم دون وقوع أى منهم بالأسر أدى بالتاريخ الى عدم تسجيل هزيمة حقيقية. ثم كانت موقعة الخندق التى شهدت هجوم عشرة آلاف من مشركى قريش ليتصدى لهم ألف و ربعمائة مسلم و يردوهم عن اخرهم على أعقابهم خاسرين. و فى خيبر وصل عدد اليهود الى أحد عشر ألف مقاتلا فى مواجهة ألف و ربعمائة مسلم كتب لهم الإنتصار.
و عند التمعن فى كيفية انتصار فئة قليلة على فئة كثيرة يبطل العجب بالرجوع الى قول الله تعالى،
"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله" ]البقرة، 2 : 249[.
" اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين و ما جعله الله الا بشرى و لتطمئن به قلوبكم و ما النصر الا من عند الله" ]الأنفال، 8 : 9 /10[.
"و ما رميت اذ رميت و لكن الله رمى" ]الأنفال، 8 : 17[.
و لا شك أن قراءة هذه الآيات القرآنية تجعل الواحد منا يدرك أن الانتصارات التى حققها النبى صلى الله عليه و سلم والمؤمنون معه ما كانت الا آيات ربانية لنتبصر و نتوصل من خلالها الى أن الإرتباط بربنا سبحانه و تعالى والتوكل عليه و حسن النوايا هى التى أتت بالإنتصار.
العروة الوثقى و حبل الله المتين
و فى واقع الأمر، هذا هو الحق بعينه و الذى ضرب خالد بن الوليد مثالا عليه بعد أن خاض حروب الردة و انتصر فيها بنفس العدد و العتاد على كل الجيوش التى واجهته بالجزيرة العربية بأسرها. و كان أبوبكر الصديق رضى الله عنه قد اتخذ موقفا حاسما من المرتدين وأمر بهذه الحروب رغم التثبيط الذى تعرض له من بعض المحيطين به. و بعد الإنتصار الذى تحقق فى نهاية هذه الحروب أصدر أبو بكر أمره الى خالد بن الوليد بفتح العراق. ونجح خالد بالفعل فى تحريرالعراق من الفرس الذين حكموها مئات السنين. و المدهش أن ذلك تم فى مدة لا تتجاوز الخمسين يوما خاض فيها أكثر من خمسة عشر موقعة حربية منها موقعة "الجزيرة" التى واجه فيها عشرون ألف مسلم جيشا قوامه أربعمائة و خمسون الف مقاتل! و دارت تلك المعركة و احتدم الوطيس ما بين قتال و طعان، ولكن ما لبث أن تحقق النصر للمسلمين.
و عند مقارنة هذه الإنتصارات و تلك العزة بأحوالنا الحالية يتضح أن ثمة شيئا ينقصنا ... أو أمرا معينا لا نسيره كما ينبغى... و هذا النقص ليس هو بالعدة أو العتاد، فان النصر يكتب لسبب اخر غيرهما. و السبب الحقيقى لإنتصار المسلمين فى ذلك الوقت يصيغه لنا ربعى بن عامر الذى خرج الى القادسية مع جيش سعد بن أبى وقاص فاتح المدائن بغرض تبليغ أهل العراق بالإسلام. فقد حدث أن وقف ذلك الصحابى بين يدى كسرى المحاط بمظاهر الأبهة من خدم و حشم و ملبس و قصر فخم، و كان جزءا من حوارهما ما يلى:
" (كسرى) : لم جئتم إلى بلادنا؟ (ربعى بن عامر) : جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، و من جور الأديان الى عدل الإسلام، و من ضيق الدنيا الى سعة الاخرة . و لم نأتكم بكثرة عدد و لا عدة، نحن جئناكم برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة".
و قد عبر الرد الذى ألقى به ذلك الصحابى الفاهم لدينه و الواثق بقوة إيمانه عن حقيقة مهمة تبين معادن الرجال الذين فتحت على أيديهم البلاد و تحققت الإنجازات و جاء العز. وهذا هو نفس مفهوم أبو بكر الصديق رضى الله عنه، و الذى كان قد أمر بهذه الحملة إلى العراق. وأثناء سير المعارك بالعراق أرسل خالد بن الوليد الى أبى بكر طالبا المدد حيث كان يواجه عدوا يفوقه فى العدد بكثير. وبعد ثلاثة أسابيع من الإنتظار، أرسل اليه أبو بكر صحابى اسمه القعقاع بن عمرو التميمى، فأثار ذلك بالطبع دهشة خالد الذى كان يقاتل الفرس بالالاف، فكان رد الخليفة ردا تملؤه الثقة و العزة "لايهزم جيش به القعقاع بن عمرو التميمى!". و بالفعل لم يمن خالد بن الوليد بأية هزيمة على الإطلاق طيلة معاركه بالعراق. و فى الوقت نفسه كانت جيوش الروم بالشام قد تجمعت بموقع اسمه اليرموك. فبعد أن قضى خالد على معظم جيوش الفرس فى العراق، كان مطلوبا منه أن ينتقل للشام ليحقق انتصارا عسكريا غير عادى على أكبر دولة فى تلك الفترة الزمنية. و لم يتحقق ذلك الإنتصار المدوى الا بأربعين ألفا من الجند مقابل نصف مليون من الروم.
عزة الإنتماء للإسلام
ليس بمقدورنا أن نتناسى كل هذا التاريخ و كل هذا الزخم الذى عاشته أمتنا. فهل فعلا هذه الأمة هى نفسها التى اغتصب بيت مقدسها، و صارت أراضيها مستعمرة، و حل بها من الضعف ما يندى له الجبين خزيا؟! هل من الممكن أن يكون الحديث فى الحالتين عن نفس الأمة ؟
انما الأمة العزيزة هى التى كانت قائمة أيام اتساع الأرض الإسلامية فى عهد هارون الرشيد مما دعاه الى مخاطبةاحدى السحب و هو يطل اليها من شرفة قصره فيقول لها "اذهبى شرقا أو غربا، اذهبى أينما شئت، فسيأتى خراجك لبيت مال المسلمين!". و هو ما يعنى أن المطر الذى تسقطه تلك السحابة لا مناص له الا و أن يسقط على الأرض الإسلامية المترامية الأطراف. و فى نفس الفترة كان الأمير البيزنطى نكفورحاكما لدولة الروم و دافعا للجزية كل سنة ليحمى حدوده من المد الإسلامى. وفى أحد الأعوام رفض دفع الجزية عن يد و هو صاغر، بل أنه طلب من هارون الرشيد أن يرد اليه كل الأموال التى كانت قد دفعت فى السنوات الماضية. فما عاد ذلك عليه الا وبالا حيث قتل فى عامورية و كانت موقعة حاسمة سقطت فيها تلك المدينة رغم كونها ثانى أهم المدن الرومية بعد القسطنطينية فى ذلك الوقت. و بذلك خرج رد هارون الرشيد عن الخط التقليدى من مفاوضات و تبادل المراسلات الى الحيز العملى، فنظم المتنبى قصيدة فى ذلك الخصوص جاء فيها بيت الشعر التالى:
" السيف أصدق إنباء من الكتب فى حده الحد بين الجد و اللعب"
و تزداد حسرتنا لما حدث و لازال يحدث لنساء المسلمين من هتك للعرض و بقر للبطون فى البوسنة و الهرسك، ثم الشيشان، ثم أفغانستان، ثم العراق، و من قبلهم فلسطين. فهل من المعقول أن نقارن ذلك الهوان بما كانت عليه الأمة فى و قت من الأوقات من غيرة على الأعراض ؟ كيف يتثنى لنا التنكر لرد فعل الخليفة المعتصم عندما وصلته الأخبار بان أسيرة مسلمة فى أسر قيصر الروم قد أسىء اليها بمنع مياه الوضوء عنها، فما كان منه الا أن أرسل الى قيصر مكتوبا بدأه بالعبارة التالية "من أمير المؤمنين المعتصم بالله الى كلب الروم". فلنتأمل لغة الخطاب التى لا تخلو من العزة و الإدراك التام للرسالة التى يراد توجيهها من خلال حجم الكلمات ووقعها على المرسلةاليه. واستطرد المعتصم خطابه كالتالى "قد علمنا ما صنعت مع الأسيرة المسلمة، فان لم ترسلها معززة مكرمة فى قافلة من النساء محملة بالهدايا و الإعزاز لأمة الإسلام لنأتينك برجال أولهم عندك و اخرهم عندى، و الرد وقتها ستراه بعينك و لن تسمعه بأذنك". فماذا فعل قيصر؟ بالطبع لم يسعه الا الإمتثال لأوامر المعتصم. فعادت الأسيرة المسلمة الى بغداد يوم قالت "وا اسلاماه" فوجدت من يسمعها.
ما أصدقك يا رسول الله... صلاة الله و سلامه عليك
مهما تطرق بنا الحديث فمازال يراودنا شعور الصدمة من التدهور الحالى لأمتنا بعد أن كانت الفتوحات الإسلامية تتنامى شرقا و غربا كاللؤلؤ المنثور. فالشرق يشهد فتح ايران وأفغانستان وباكستان حتى تنسمت كل من الهند و الصين نسيم الإسلام، فها هو قتيبة بن مسلم الباهلى يصل الى بحر الصين ليقول "لو أنى أعلم أرضا وراء هذا البحر لخضته حتى أفتحها للإسلام". أما شمال افريقية فقد شهد اكتساح المد الإسلامى عبر تونس و الجزائر و المغرب حتى أن عقبة بن نافع اعتلى صهوة جواده على ضفاف البحر و قال محدثا اياه "لو أنى أعلم أرضا خلف هذا البحر لخضته معك". و امتد الفتح شمالا لتكوين دولة الإسلام بالأندلس بما حوته من مدارس و جامعات يفد اليها أبناء أمراء أوروبا. و على سبيل المثال فعندما أراد هارون الرشيد فى يوم ما أن يكرم ملك فرنسا، بعث اليه بساعة لقياس الوقت. و لما لم يكونوا على دراية بذلك الإختراع، ظن البعض منهم أن بداخلها جنى يحركها. و لم يكتف المسلمون وقتئذ بذلك بل وصلوا الى مدينتى بوردو و ليون الفرنسيتان. فكيف يدور بخلد المرء أن ينسحب ذلك المد الإسلامى و يتبدل هذا العز الى النقيض؟
و للرد على هذا السؤال فلنتتبع الأحداث التى استطاع عبد الرحمن الغافقى فى بدايتها أن يصل الى حدود ألمانيا على أثر فتخه لمعظم أراضى فرنسا، من أجل تحويل البحر الأبيض المتوسط الى بحيرة اسلامية. واذا ببوادر الإتحاد الإستراتيجى بين ألمانيا و فرنسا تتجلى من خلال المباحثات و تبادل الاراء بينهما لايجاد حل للمأزق الذى يواجهانه. فكان على هاتين الدولتين الإختيار ما بين الإستمرار فى مواجهة المسلمين عسكريا او مفاوضتهم لعقد المعاهدات معهم وتجنب الاصتدام بهم. وأتاحت تلك المباحثات الفرصة لشاب عسكرى فرنسى فى الثلاثينيات من عمره يدعى شارل مارتال أن يعرض ما توصل اليه بعد دراسته لأسباب انتصار الأمة الإسلامية و نقاط ضعفها و التى من الممكن أن تؤدى الى هزيمتها. ولقد اكتشف مارتال أن قوة أعدائه ترجع الى توحدهم. ففى أحد تلك الإجتماعات شرح مارتال للحاضرين سبب تفضيله لمهاودة المسلمين فيقول "الرأى عندى ألا نواجههم فهم كالسيل العرم يجرف كل ما أمامه و قلوبهم متوحدة حتى صاروا كالحصون المنيعة. و لذا فالأفضل أن نتركهم حتى تدخل الدنيا فى قلوبهم فيتنافسوها على قطعة أرض، أو قصر منيف، أو كرسى حكم، و ساعتها تتفرق القلوب فتكون نهايتهم".
و عند تناول كلام شارل مارتال بالتحليل نجده ينم عن ذكاء الشخص المفكر فى الأحوال المحيطة به، و البعيد عن الغفلة المضرة لصاحبها. فلقد درس ذلك الشاب الفرنسى فكرالإسلام و تعلم منه أهمية التفكر فى الأمور الهامة و تدبر حسن التصرف فيها. و فى الواقع فان جوهر هذا الكلام لا يختلف عما رواه ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال:"توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة الى قصعتها. قيل "أمن قلة يومئذ يا رسول الله؟" قال "بل أنتم كثير و لكنكم كغثاء السيل. و لينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم و ليقذفن فى قلوبكم الوهن." قيل "و ما الوهن يا رسول الله؟" قال "حب الدنيا و كراهية الموت." حقيقة، هو بالفعل هذا الوباء الذى استشرى فى الأمة فى الوقت السابق على ظهور صلاح الدين، فكم كانت هناك من انقسامات شديدة دعواها "نفسى ... نفسى..." أما دعاء "أمتى... أمتى..." فلم يعد له وجود وقتذاك. و تطل علينا "بلاط الشهداء" كموقعة ما بين عبد الرحمن الغافقى و شارل مارتال، و كان ذلك بعد فترة انتصارات عبد الرحمن الغافقى الأولى التى أخذ على أثرها مارتان فى تدبر الأمر كما سبق أن أفضنا. انتصر عبد الرحمن و جنده فى بداية المعركة، و لكن الكارثة تكمن فى أننا كمسلمين نغفل عن أخذ العبرة من الهزيمة. فى أحد انهزمنا فانزل الله سبحانه و تعالى قوله:
"منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد الاخرة " ]ال عمران، 3 : 152[.
فى أحد، نتجت الأزمة عن إختلاط القلوب بشائبة حب الدنيا. و للأسف، تكرر الحال فى "بلاط الشهداء" حيث انتصر جند عبد الرحمن فى مطلع الأمر، فما لبثوا أن تركوا المعركة و التفتوا الى الغنائم فتفرقوا و بدأ مارتال فى اعادة تجميع قواته، و فى أربعة الأيام التالية أجهز على المسلمين دفعة واحدة و لم يترك أحدا من جيش عبد الرحمن الغافقى... أبيدوا جميعا عن بكرة أبيهم! وكانت اخر كلمة يتلفظ بها عبد الرحمن الغافقى حال استشهاده "وا اسلاماه !"
ضعف الإيمان... سبب الهوان
حقيقة، الإسلام يحتاج الى رجال. فماذا حدث للرجال و أدى بهم الى حالة الضعف المستشرية حاليا؟ الرد المباشر على هذا التساؤل يكمن فى الإنصياع للفردية و البعد عن الله عز و جل. أجل، ذاك هو الحق بعينه دون أدنى بعد عن الموضوعية. و التاريخ يروى لمن يريد أن يعتبر أن أسباب الإنتصار، فى المقابل، تجلت فى التمسك بحبل الله و القرب منه تبارك و تعالى.
و بالعودة الى أسباب الخيبة التى تعصف بنا نجدها تبدأ ببعدنا عن الله الواحد القهار و حرصنا على الإتجاه شرقا و غربا دون تحديد هدف نسعى للوصول اليه أو الإهتمام بما سوف يؤول اليه مصيرنا. فى الواقع، ان اهم ما أطلبه من كل قارىء، الشاب والفتاة، الأب والأم،الجد أوالجدة، أن يشعر أن هذا الحديث و هذه الدعوة موجهان الى كل منهم بصفة شخصية حتى نعى تماما كل سبب من أسباب تأخر عودة الإنتصارات للأمة، أم أن هذا الأمر لم يعد يخص كل فرد على حدى؟ و يجدر بنا اذن التعرض لبعض مظاهر ضعف الإيمان حتى ان وجد القارىء أحدها ينطبق عليه تنبه له و عمل على التخلص منه حتى تتكون المقدمات المؤهلة لإستقبال الفكرالسليم و السلوك الصحيح لصلاح الدين الأيوبى.
أول مظهر لضعف الإيمان يصب فى سهولة إرتكاب المعاصى، حيث يقدم الواحد منا على ارتكاب المعاصى دون أن يكون هناك تأنيبا للضمير! واذا كان الخطأ تجاه شخص مهم فى حياة الفرد مثل رئيسه المباشر بالعمل أو من هو ذو سلطة أو تأثير عليه فانه يحجم عن ارتكابه، أما اذا كان هذا الخطأ مستورا عن أعين الناس و لا شاهد عليه سوى الله فيتم ارتكابه دون أن يشعر مرتكبه بالذنب.
كما تعد قسوة القلب مظهرا اخر لضعف الإيمان حيث يقل تأثير وقع آيات الله على عباده. والغريب أن البعض قد يتأثر لدرجة البكاء عند سماعه لأغنية أو متابعته لمشهد تمثيلى مصور، فى حين أنه لا يبالى بآيات القرآن التى تتحدث عن الجنة و النارأو بايات الله المستنبطة من الأحداث و المجريات الحياتية.
ثم يأتى ذكر التقصير فى اتيان المناسك التعبدية حقها فى الخشوع كمظهر شائع للضعف الإيمانى. و على سبيل المثال، يميل الواحد منا الى تكرار سماع مقطع موسيقى أثار اعجابه مرات و مرات، و لكنه يتعجل الإنتهاء من الصلاة، أو يؤخرها، أو يجمع ما بين فرضين أو اكثر. أما اذا كان الأمر متعلقا بالتزام نحو انسان ذى اهمية معينة كصاحب العمل مثلا، فان الإهتمام و الإتقان يحلان محل التقصير طالما أن هناك عائدا ماديا محسوس كالمرتب الشهرى. اللهم ردنا الى دينك ردا جميلا
فى الواقع، ان مظاهر ضعف الإيمان، المذكورة و غيرها الكثير، ترجع فى جملتها الى البعد عن الله عز وجل. و كيف لا نكون بعيدين عن بارئنا اذا كنا لا نقوم له ليلا تضرعا و انكسارا، تقربا و استسلاما، طالبين منه العفو و السماح و التوبة و العون؟! للأسف لم نعد نشعر بحاجتنا لفعل ذلك لإننا بعدنا عن الأجواء التى تقربنا من الواحد الأحد. وبالتأكيد فان القدوة الصالحة تعد من أهم ما نفتقده من أجواء معينة على تقوى الله تبارك و تعالى. واذا سألت أى شاب عن قدوته يخبرك بأنه رسول الله صلى الله عليه و سلم. اذن فلنراقب أفعالنا، أسلوبنا، طول أملنا. هل نحن متبعون للنبى الكريم فى كل ذلك بالفعل، أو أننا نعيش و كأننا مخلدون، غافلين عن البغتة التى يأتى فيها الموت. و من أخطر آثار الغفلة و طول الأمل أنهما يشعران الإنسان أن الدنيا مقبلة عليه فينسى أو يتناسى أنها مجرد دار فناء فى حين أن الآخرة هى دار بقاء.
و لكن طريق القرب من الله ليس بعيدا فمفتاحه التوبة النصوح الخالصة لوجهه الكريم و عنوانها الإنكسار لله تعالى و الخضوع له. فلتقبل اذن على خالقك... باكيا، راكعا و ساجدا له، فى مكان و زمان لا يراك فيهما الا هو السميع البصير. أقبل على ذكر الله و دعائه تكون منه قريبا و برحمته سعيدا فى الدنيا و الاخرة.
إن التقرب من الله لا بد له و أن يؤدى بنا الى النهوض بأمتنا من جديد فهو بمثابة القاعدة الصلبة التى يحتاجها كل بنيان عال. و من أمثلة الرحمة التى تتنزل على العبد المخلص لله ما قاله ربعى بن عامرعن المسلمين فى عصره بأنهم رجال يحبون الموت كما يحب غيرهم الحياة، ففى حبهم الموت فى سبيل الله ينالون رضوان الله عليهم و يدخلون الجنة.
المطلوب اذن هو أن يتفاعل كل منا مع ما سبق ذكره و ان يسترجع مع نفسه أسباب النجاح و الفشل فى أمور الحياة الدنيا و الاخرة. وتطبيقا لذلك، فمن المفيد عمل جدول لكتابة الطموحات التى يسعى كل منا لتحقيقها، و تدوينها فى جانب أسباب نجاح أى مشروع و التمسك بها، و فى جانب اخر الأسباب الشخصية للفشل و الإنحدار بهدف البعد عنها. و ذلك كله يكون الغرض منه الشروع فى اتباع بداية صحيح لإننا لن نحقق أى انجاز ما دمنا نتبع نفس الأسلوب ااذى أدى بنا الى هذا المنحنى الخطير. و ليبدأ كل فرد اذن بالبحث عن الأسباب ليضعها فى جدول بغرض الإبقاء على الإيجابى منها و اصلاح السلبى ، عملا بهذه الدعوة لإصلاح شئوننا كلها فى الدنيا و الاخرة. [/b][/center] | |
|