سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 4 الخميس أغسطس 14, 2008 6:26 pm | |
| الفصل الرابع
الميلاد
اللهم استخدمنا و لا تستبدلنا
بقدر ما كانت وحدة الأمة مهمة بقدر ما كان أى جهد فردى، على بساطته، له تأثيره فى الوصول الى الوحدة المنشودة. و بالتالى، فان قصة الفتاة الدمشقية ميسون و ما صاحبها من ردود أفعال لدى الاخرين لهو من أفضل الأمثلة على ذلك. نسال الله العلى القدير أن يوفقنا الى ما فيه رضاه و صلاح الأمة بأسرها.
أسرة صلاح الدين... من دوين الى تكريت
لعل ما سبق من فصول هذا الكتاب تكون قد ألقت الضوء على الأحوال العامة للأمة و الملابسات الفردية لبعض الأشخاص المؤثرين فى مستقبل الأحداث، فى الفترة التى سبقت مولد صلاح الدين. و بدءا بهذا الفصل تتحول بؤرة الإهتمام الى صلاح الدين نفسه للحديث عن نشأته و نضوجه و العوامل التي أدت الى تكوين شخصية صلاح الدين الأيوبى، ذائعة الصيت.
يرجع أصل أسرة صلاح الدين الى بلدة دوين التى ما زالت موجودة فى اقليم أران بمنطقة كردستان فى أقصى حدود أزربيجان الغربية. و بالطبع، تخضع تطورات سيرة صلاح الدين الى الأحداث القدرية التى لا يعلم مغزاها حال حدوثها الا الله سبحانه و تعالى. و ليس لأحد أن يقدم على أمر من الأمور الا أن يكون قد قدره الله له. و لذلك فان بذرة البداية فى سيرة صلاح الدين قد ارتبطت بجده شاذى بن مروان الذى اتخذ من مجاهد الدين بهروس صديقا حميما له. و قد فكر الصديقان، شاذى و مجاهد الدين، فى الإرتحال الى بغداد سعيا وراء حياة أفضل. لم يكن شاذى بطبعه يميل الى المغامرة بعكس صديقه مجاهد الدين الذى دفعته طموحاته الى الإنتقال الى بغداد، مخلفا وراءه شاذى بن مروان مؤقتا. و فى بغداد تدرج مجاهد الدين فى المناصب حتى صار مدير امن بغداد ثم حاكمها الرئيسى، متمتعا بالنفوذ الواسع الذى وفرته له تلك المناصب. و عندها، تذكر صديق عمره شاذى بن مروان و أرسل اليه ليستحضره الى بغداد. و قد لبى شاذى نداء مجاهد الدين و انتقل بأسرته الى بغداد فرحب به حاكمها و ولاه على قلعة تكريت الواقعة على يمين نهر دجلة، و هى البلدة التى صارت معروفة اعلاميا فى هذه الأيام بعد الأحداث الأخيرة التى ألمت بالعراق. و لتلك القلعة أهميتها الإستراتيجية عسكريا و استخبراتيا. و بذلك يكون شاذى قد ارتقى من انسان عادى يرعى الغنم فى بلدة دوين الى حاكم لقلعة من أكبر قلاع العراق. و بعد وفاة شاذى، خلفه ابنه الأكبر نجم الدين أيوب فى تولى حكم قلعة تكريت. و بطبيعة الحال كان لأخيه أسد الدين شيركوه دوره المهم بالقلعة.
واستمرت الأمور على ذلك الوضع حتى جاء موعد ميلاد صلاح الدين. و من مقدرات الله سبحانه و تعالى و حكمه التى لا يعلمها الا هو، أن فى ذات الليلة التى حضرت لأم صلاح الدين الام الوضع، جاء أمر من مجاهد الدين بهروس بعزل نجم الدين أيوب و أخيه أسد الدين شيركوه، والد و عم صلاح الدين، وطردهم من القلعة. و كان فجر اليوم التالى هو الموعد الذى حدده مجاهد الدين لتنفيذ أوامره بطرد ابنى شاذى بن مروان و عائلتيهما وإلا اقتحمت قوات مجاهد الدين القلعة عنوة و وضع الأخوين فى السجن لحين يبت مجاهد الدين فى أمرهما. تشاءم نجم الدين من ميلاد ابنه صلاح الدين فى هذه الظروف القاسية، لا سيما وأن الصدمة جاءت مفجعة نظرا للحياة الرغدة التى كان عاشها الأخوان فى تكريت. و قد بلغ التشاؤم مداه بنجم الدين حتى أنه غادر القلعة باكيا، فذكره خادمه بعدم جواز التشاؤم فى الإسلام، و ذلك من خلال كلمات رقيقة تحمل معانى الإيمان الراسخ بالله عز وجل و الرضا بالقضاء و القدر، اذ يقول له: "يا مولاى نجم الدين، لا تدع للشيطان مدخلا اليك، فعسى الله أن يجعل لهذا المولود شأنا تسعد به أنت و ال بيتك، بل تسعد به الأمة كلها. و انى أذكر نفسى و أذكرك بقول الله عز و جل:
"فعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا" ]النساء، 4: 9[1. و قد أرجع البعض تشاؤم نجم الدين محمود بميلاد ابنه صلاح الدين الى أن الوالد كان من الناس الألوفين للمكان ، لذلك فكان يعز عليه أن يرحل من القلعة، مصداقا لقول الشاعر الذى يخبر بأنه اذا عاد الى شبابه سيكون فراقه لبياض شعره أمرا شاقا على نفسه:
خلقت ألوفا لو رجعت الى الصبا
لفارقت شيبتى موجع القلب باكيا "لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق"[1]و بعودة إلى الأحداث التى سبقت عزل نجم الدين و أسد الدين و طردهما من قلعة تكريت، نجد أن الأسباب الرئيسية لذلك العزل تكمن فى ثلاثة . قبل العزل ببضعة سنين ، و أثناء مجاهدة عماد الدين زنكى للصليبيين و زلزلته لهم، أخذ هؤلاء فى إعداد حملة جديدة للقضاء عليه. و فى نفس الوقت ، نشب قتال بين عماد الين و مجاهد الدين الذى كتب له فيه الغلبة على عماد الدين، و يا ليت غلبته كانت على أعداء الإسلام و ليس على مسلمين مثله. و لو أن قوات المسلمين اتحدت لكتب لها النصر فى مطلع الأمر. و على أثر هزيمة عماد الدين من مجاهد الدين حدثت مفاجأة كبرى تمثلت فى فتح نجم الدين لباب القلعة حتى يدخلها عماد الين و جنوده. و لم يكتف نجم الدين بذلك، بل أنه حرص على تمريض عماد الدين لمدة ثلاثة أسابيع ثم أوصله الى الموصل آمنا. و ان كان مثل هذا التصرف يشكك فى ولاء نجم الدين لمجاهد الدين، لكنه لا يشكك فى ولائه و حبه للإسلام و رغبته فى نصرة دين الله حتى أن الحوار التالى دار بين الأخوين أسد الدين و نجم الدين حول ذلك الأمر:
"ترى يا نجم الين، لماذا ساعدت عماد الدين زنكى و جنوده رغم أن و لاءك أصلا لمجاهد الدين بهروس؟ -يا أسد الدين، اننى حقا وليت قيادة قلعة تكريت تحت إمرة مجاهد الدين و له على حق السمع والطاعة إلا ... -إلا ... ؟ -إلا فيما يغضب الله. و إنى لأرى فى عماد الدين زنكى إخلاصا فى العزم على القضاء على هؤلاء الصليبيين و كسر شوكتهم. فلإن كتب الله النصر له كانت نصرة لدينى. و إنى لأرانى مدفوعا الى مساندته ليس كقائد يعلم ما للرجل من حنكة و صدق عزم فى الجهاد، بل كمسلم ألمس فيه إخلاصا لدين الله و رغبة منه فى نصرة هذه الأمة و رفعة رايتها".
و من ذلك الحوار يتضح أن نجم الدين أيوب كانت لديه الرغبة فى نصرة الدين حتى لو أدى ذلك الى فقدانه لمنصبه و سلطته و مكانته. و انما كان كل همه أن يدعم الأشخاص الذين يستطيعون الدفاع عن الدين. ولعل نجم الدين يكون بدعمه لعماد الدين قد تحاشى الوقوع فى معصية الله تبارك و تعالى الذى يقول فى كتابه الكريم:
"قل ان كان اباؤكم و أبناؤكم و اخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب اليكم من الله و رسوله و جهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره و الله لا يهدى القوم الفاسقين" ]التوبة، 9: 24[.
و كثيرا ما يواجه الإنسان مواقف لا بد له فيها أن يختار إما أن ينصر الدين أو أن يتمسك بما لديه دون التضحية بأى شئ. و لكن الإختيار الصحيح هو الدين لإن الأغلى على الإطلاق هو نصرة الدين و تقديم ما بالإمكان رغم ما يمكن مواجهته من مشقة من جراء ذلك، تماما مثل ما حدث مع نجم الدين أيوب. و ربما يكون ما فعله هذا الرجل الصادق مع الله و المخلص لدينه أحد الأسباب الرئيسية التى أدت الى عزله و طرده من قلعة تكريت.
أما السبب الثانى الذى استثار غضب مجاهد الدين على نجم الدين هو ازدياد سلطة و نفوذ الأخير فى القلعة و تعاظم حب الناس له. و لذلك، خاف مجاهد الدين أن يستأثر نجم الدين بالقلعة فقرر طرده منها.
و الأمر الثالث الذى أغضب مجاهد الدين كان بسبب ما فعله أسد الدين. و يقال أن أسد الدين قتل مقدم العسكر بالقلعة و الذى كان مقربا من مجاهد الدين. و قد فعل أسد الدين ذلك لإن المقدم كان قد اعتدى على امرأة داخل القلعة فاستنجدت بأسد الدين الذى قتل قائد العسكر.
تلك كانت الأسباب الأساسية التى من أجلها قام مجاهد الدين بهروس بعزل و طرد نجم الدين أيوب و أسد الدين شيركوه من القلعة.
"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"[2]
عند خروجهما من قلعة تكريت، لم يكن أمام نجم الدين و أسد الدين سوى الإنضمام الى عماد الدين زنكى. خرجت قافلتهما حتى وصلت الى مدينة الموصل فى شمال العراق حيث استقبلهم عماد الدين استقبالا حسنا و عين نجم الدين وزيرا فى السياسة، بينما جعل أسد الدين قائدا عاما لقواته. و بذلك يكون عماد الدين قد برهن على صفة أخرى من صفاته الحميدة و هى المتمثلة فى العرفان بالجميل تجاه نجم الدين. و كان ذلك أيضا دليلا على حسن اختيار عماد الدين للأشخاص الذين يمكنه أن يثق فى أهدافهم و أن يعتمد عليهم. و قد قدر لصلاح الدين أن يبقى مع أسرته بالموصل لمدة عامين. وعندما فتح عماد الين زنكى مدينة بعلبك التابعه لإمارة دمشق، عين نجم الدين حاكما لها.
التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر
من الجدير بالذكر أن صلاح الدين ظل سنتين بالموصل، ثم انتقلت أسرته الى بعلبك و مكثوا بها سبع سنوات، ثم وصلوا الى دمشق . و هكذا اكتسب صلاح الدين القدرة على التكيف مع الظروف المختلفة للزمان و المكان، مما أتاح له فيما بعد أن يظل سبعا و عشرين سنة على ظهر جواده دون أن يمل أو يكل، فمهما واجه من مصاعب تغلب عليها. و لكن كثرة الأنتقال فى الصبا أدت الى اضعاف صحته و اصابته المتكررة بالأمراض.
و مما يدعو للدهشة أن نجم الدين أيوب اصطحب ابنه صلاح الدين و هو فى السابعة من عمره الى قلعة الرها أبان فتحه لها! وقف صلاح الدين مع والدته ليشاهدا سويا أباه و هو يقاتل لفتح تلك القلعة، بما فى ذلك من أكبر الأثر على تشكيل شخصية صلاح الدين و هو فى هذه السن المبكرة.
كما كان أيضا للنظام الأسرى الذى نشأ صلاح الدين فى كنفه تأثيرا عظيما على اكتسابه للتوازن فى الشخصية. فاذا نظرنا مثلا لما يجرى الان داخل محيط الأسرة نفاجأ بازدواجية فى أسلوب التعامل، حيث يحرص الفرد على الإلتزام خارج المنزل، لكنه يطلق العنان لنفسه حين يتواجد فى محيط الأسرة. و لذلك ينتقد الأبناء فى بعض الأحيان أباءهم و أمهاتهم بسبب هذا الإزدواج فى الشخصية الظاهر فى الود الذى يعاملون به الناس خارج المنزل، و ضيق الصدر عند التعامل مع أهل المنزل. أما صلاح الدين فكان اسلوب تعامله داخل المنزل هو نفسه الأسلوب الذى يعامل به الناس خارجه. كما كانت اهتماماته داخل و خارج المنزل لا تختلفان، اذ كانت تنصب فى الإنقسامات التى كانت تعانى منها الأمة و الضعف المتفشى فى أوصالها، وليس فى هموم المأكل و الملبس كما هو الحال فى معظم بيوتنا حاليا.
اذن، فلم لا يهتم الاباء و الأمهات بمشاكل الأمة و محاولة التفاعل معها ايجابيا حتى يتأسى الأبناء بهم، اذ أن الأطفال يتأثرون بالمناخ المحيط بهم مثل قطعة الإسفنج التى تمتص ما حولها، وعند عصرها يخرج منها ما تكون قد امتصت؟ و يقوم ألأب و الأم، عبر السنين الممتدة، بتشكيل أطفالهما كما نشكل قطعة من الصلصال، بالزيادة فى أمر ما، و النقصان فى اخر،حتى تخرج شخصية الطفل كما أردنا لها.
و لذلك، تجدر الإشارة الى أن شخصية صلاح الدين الأيوبى لم تنشأ عفويا، و انما تطلبت نشأتها الكثير من حسن التوجيه من والده و والدته. و على نفس النهج، مطلوب منا، بدلا من أن نكون سببا فى اخراج شخصيات مهزوزة، أن نعمل على تكوين شخصيات سوية لشباب مستقر المعانى و واضح الأهداف، قادر على فهم أبعاد كثيرة. و بالطبع، لن يكون ذلك ممكنا الا اذا كنا نعى ما هو مطلوب منا بالتحديد.
و بالنسبة لصلاح الدين، فان أكثر ما أثر فيه خلال الأربع سنوات الأولى من عمره هم ضيوف أبيه الذين يأتونه للتباحث معه فى الأحوال القائمة بين المسلمين و الصليبيين، اراضى المسلمين المغتصبة، مساعدة الاخرين ، نجدة الإسلام و المسلمين.
أطفال صالحون
و لنا أن نتخيل مدى التأثير الذى يقع على الطفل عند تنشأته النشأة التى نشأها صلاح الدين فى ذلك المحيط و بتلك الإهتمامات! لا بد ان كل ذلك سوف يشكل عنده أولويات تفكير وفقا للذى نشأ عليه. و لذا أسوق اليكم قصتين لطفلين معاصرين فى إحدى المدارس التى تهتم بغرس القيم فى نفوس الأطفال مثل الإيثار و التقوى.
كعادة الأطفال، أخذ الغلام يجرى و يلعب داخل المنزل، ثم شعر بضرورة قضاء الحاجة. و كان طفلا اخرا قد سبقه الى دورة المياة، فلم يجد الغلام بد من الذهاب الى دورة المياة الخاصة بجدته. و لكنه كان يعلم أن الجدة كبيرة السن و لا تحب أن يقوم شخص اخر باستخدام الأغراض الخاصة بها! تردد الغلام قليلا و لكن الحاجة دعته الى أن يقدم على مجازفة طلب الإذن من الجدة باستخدام دورة المياة الخاصة بها. و بمشاعر الجدة نحو حفيدها، أجابته إلى طلبه. و لكن الصبى كان يشعر بأن جدته لا تميل الى أن يستخدم الاخرون أغراضها، فخرج قبل أن يقضى حاجته، رغم ما يشعر به من أذى، و قال لجدته: "أقسم بالله أن لديك ايثارا! عندك القدرة على اعطاء ما تحبينه لغيرك". لقد شعر الصبى بتلك القيمة لإنها كانت قد غرست فى قلبه، فكان من الطبيعى أن يتعرف عليها عند مواجهتها.
طفل آخر داومت والدته على اعطائه تفاحة أو برتقالة عند ذهابه الى المدرسة صباح كل يوم. وكان الطفل مازال بالحضانة، فشعر بالملل من تناول كل يوم الفاكهة التى تعطيها له والدته، فوضعها أمامه على مكتبه الصغير فى الفصل. و عند مرور المعلمة دار بينهما الحوار التالى:
"ماذا بك يا بنى؟ تبدو غير راض. -ليس لد ى رغبة فى أكل هذه البرتقالة. -اذن، لاتأكلها. -و لكن والدتى أمرتنى بأكلها، فماذا أفعل؟ -الأمر بسيط للغاية، اعطها لأحد زملائك. -كيف أفعل ذلك و أنا عندى تقوى؟! ان الله يرانى، فكيف أعطى البرتقالة لشخص اخر و أقول لأمى أنى أكلتها؟!".
لقد تحرى ذلك الطفل الصغير تقوى الله سبحانه و تعالى و هو لم يتعد الخامسة من عمره بعد. ولذا، فانى أسوق هذا المثال للآباء و الأمهات الذين يظنون أن صغر سن الأطفال ليس مناسبا لبدء الزامهم بسلوك معين. و لكن الحقيقة على العكس من ذلك اذ يمكن غرس القيم فى الأطفال من سن ثلاث الى سبع سنوات، وهى أهم فترة فى حياة الإنسان. و لهذا السبب يمكن غرس الإهتمامات و تنمية المهارات و القدرات و التفكير الإيجابى فى تلك السن المبكرة. و بدلا من أن تهتم المدارس باعداد المدرس الكفء للمراحل الدراسية من الإبتدائي إلى الثانوى، فالأجدر أن تكون معلمات الحضانة على وعى و ادراك يتيحان لهن غرس هذه القيم لدى الأطفال.
صلاح النشاة ... صلاح الدين ... الأيوبى
فى الواقع، هذه المعانى التى يحتاجها أطفالنا فى وقتنا الحالى هى نفسها التى غرست فى نفس صلاح الدين و هو فى محيط أسرته حتى نشأ و هو مدرك لمقومات السلوك القويم. و المدهش أنه حتى الوقت الذى كان يمضيه صلاح الدين فى اللعب كان له هدف يفيده فى المستقبل فقد كان يتخيل فى لعبه كيف تكون المواجهة بين المسلمين و الصليبيين.
وبالتالى فان البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورا كبيرا فى تشكيل تركيبته. فهل الأباء و الأمهات على دراية بالخمسة أمور التى تقوم عليها التربية السليمة؟ ما هى تلك المقاييس التى تتيح للأب و الأم تقييم ابنهم و معرفة ما إذا كان سويا أم لا؟ و الغريب أن هذه المعايير لا تتضمن الأخلاق و لا المحافظة على الصلاة، وانما تشمل عناصر أخرى كثيرة.
و بالعودة الى ظروف نشأة صلاح الدين نفاجأ بأنه بدأ يتعلم الفروسية و هو فى الثالثة من عمره، وكان عمه أسد الدين شيركوه هو أول من وضعه على ظهر جواد. و لما ظهر القلق على أم صلاح الدين ذكّرها أسد الدين بأن ابنها ولد على ظهر جواد اذ أنهم رحلوا عن قلعة تكريت و انتقلوا الى الموصل فى يوم ميلاد صلاح الدين.، وطمأنها بأن ابنها سيكون له شأن كبير لو نشأ على الشجاعة.
و رغم مشاعر الأب و الأم و صعوبة تقبلهم تعريض إبنهم للمخاطر فى سن مبكرة الا أن المفاهيم الصحيحة تؤكد أن إعداد البطل الأوليمبى يبدأ و هو فى الرابعة من عمره. و لذا ينبغى أن يتم اعداد البطل القادم لرفع راية الإسلام وهو فى أولى سنوات عمره.
"فاظفر بذات الدين تربت يداك"[3]
و عند الحديث عن أهمية التنشئة الصالحة فلا بد اذن الإهتمام بدورالأم. و لذا فعلى أى رجل مقبل على الزواج أن يحسن اختيار الزوجة الصالحة التى يجد فيها القدرة على التربية السليمة و غرس القيم فى الأولاد، فان رعاية الأبناء من جانب الأم لا يقتصر على اهتمامها بمأكلهم و ملبسهم و دراستهم. انما التربية السليمة هى عبارة عن اضافة صفة حميدة للطفل أو اصلاح سلوك غير سوى. و على سبيل المثال، كان لأم صلاح الدين دور كبير فى غرس المعانى السامية فى نفسية ابنها. و لقد غرست فيه القدوة من خلال القصة التى كانت ترويها له كل ليلة قبل النوم. فكانت تروى له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و عن الصحابة رضوان الله عليهم، و عن السلف الصالح رحمهم الله. و لقد روت أم صلاح الدين لإبنها قصة أمراء بنى أرطق الذين ظلوا ثلاثون عاما يقاتلون الصليبيين قبل ظهور عماد الدين زنكى. فماذا كان تأثير ذلك على صلاح الدين؟ وهل هناك سيرة أفضل من سيرة كل من عمل على رفع راية الإسلام حتى ترويها الأم لإبنها فى السن المبكرة؟
"لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع"[4]
و يعد الإيمان بقضاء الله و قدره و الرضا به ، خيره و شره، من الأمور التى تعرضنا لها فى هذا الفصل. و لذا، فالمطلوب أن نزيد من شعورنا بهذا الجانب الايمانى فى حياتنا، ولنا العبرة فى نجم الدين أيوب الذى تشاءم لمولد ابنه يوم عزل الأب و طرده من قلعة تكريت، ثم أصبح ذلك الولد… صلاح الدين الأيوبى!
[1] حديث نبوى شريف.
[2] ]الأحزاب، 33: 23 [.
[3] حديث نبوى شريف رواه الشيخان و ابو داود و النسائى و ابن ماجه عن أبى هريرة.
[4] حديث نبوى شريف. | |
|