سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 5 الخميس أغسطس 14, 2008 6:24 pm | |
| الفصل الخامس حجر الأساس
اعلموا ما شئتم أن تعلموا ... لن تؤجروا الا بما عملتم
من خلال ماتم عرضه من ملامح التربية التى نشأ عليها صلاح الدين الأيوبى اتضحت بعض الأساليب التى من شأنها أن تعود بالفائدة على الشباب حاليا كما أفادت ذلك الشاب الصالح حتى أصبح بطلا مظفرا فيما بعد.
وباسترجاع المطلوب تنفيذه حتى الآن لكى تنهض الأمة من جديد، نبدأ بتحديد أسباب نجاحنا و فشلنا فى أمور الحياة الدنيا و الاخرة. و ينبغى كذلك الإقبال على عمل، صغير أو كبير، يكون من شانه المساعدة فى نهضة الأمة. وذلك بالإضافة الى زيادة إيماننا و رضانا بقضاء الله و قدره ، خيره و شره.
و فى الوا قع، فان هذه المهام هى الأساس المطلوب تنفيذه عمليا، و ليس الغرض منها مجرد قراءتها لزيادة الإطلاع. و حتى لو لم يستطع بعضنا أداءها بصفة متكاملة، فالمهم هو الشروع فيها و انجاز ما يمكن انجازه.
أم صلاح ... و صلاح الأم
و من خلال استكمال الحديث عن الأسس التربوية التى خضع لها صلاح الدين منذ نعومة أظافره، نعرض أساليب التربية السليمة التى تؤدى الى حسن تشكيل تفكير النشأ و ضبط سلوكهم. و نتيجة للمتغيرات الكثيرة المصاحبة لعصرنا هذا، فقد أصبح ما ننشده من تنشئة سوية و اعداد صحيح أمر فى غاية الصعوبة. و لذا يجدر بنا أن نأخذ العبرة مما كان حتى نحاكيه و نصل بابنائنا الى ما وصلت به أم صلاح الدين بابنها. لقد أدركت هذه الأم قيمة القصة التى تروى للأطفال و تاثيرها على تكوين شخصيتهم، و رغم المجهود المبذول طوال النهار و المسئوليات الملقاة على عاتقها، فكانت تحرص على الجلوس بجوار ابنها كل ليلة و توفر له من وقتها لتروى له القصة التى تهدف من خلالها الى تغذيته بالقيم و المبادىء السليمة. و ما اشق هذا الأمر على أم زوجها غائب عن المنزل، سواء فى أرض المعركة، أو مشغولا بهموم الأمة الإسلامية أو بعمله الذى يتكسب منه نفقات حياته. و من هنا نلمس عن قرب أهمية الأم و دورها المحورى فى تنشئة الطفل نشأة سليمة حيث أنها تحتك بابنها طوال فترات اليوم، على عكس الأب الذى لايرى ابنه سوى لفترات قليلة و متقطعة نظرا لتواجده بالعمل خارج المنزل. و انى أدعو الأمهات أن تتخذ من أم صلاح الدين مثالا يحتذى به فى تربيتهم لأولادهن . و القدوة الحسنة فى القائمات على التربية ترجع الى عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، فانظر كيف كانت زوجات الصحابة يجتهدن فى تربية أبنائهن أثناء غياب أزواجهن فى الغزوات و السرايا و الفتوحات، حتى صار هؤلاء الأبناء من الصحابة الذين رضى الله تبارك و تعالى عنهم، او تابعين ساروا على نفس النهج السليم. و كذلك يعظم دور المرأة فى المجتمع بكونها زوجة صالحة و أم واعية، مصداقا لقول الشاعر:
"الأم مدرسة اذا أعددتها أعددت شعب طيب الأعراق" أبطال مسلمون حقيقيون ... و ليس غربيون كرتون
و بالقطع فان رواية القصص للأطفال كأسلوب تربوى يهدف الى غرس القيم يعتمد فى الأساس على الشخصيات النموذجية التى تجسد المثالية فى تلك القصص. و لذلك كانت أم صلاح الدين تروى له عن عماد الدين زنكى و بطولاته و فتوحاته. كما كانت تقص عليه سير الخلفاء العباسيين الذين جاهدوا فى سبيل الله من أمثال هارون الرشيد و المعتصم و غيرهما. وشملت حكاياتها و رواياتها الكثير من أبطال الإسلام مثل معاوية بن أبى سفيان، و قتيبة بن مسلم الباهلى، و عقبة بن نافع، و طارق بن زياد، و موسى بن نصير. وهكذا، من خلال القصة التى ترويها الأم بأسلوب مبسط، كانت تربط عقلية ابنها بقيم الإسلام المختلفة. أما الان، فما هى الشخصيات التى ارتبط بها أطفالنا؟ هل هى باتمان أم رامبو ... تلك الشخصيات الوهمية التى يصطنعها الغرب الأوروبى و الأميركى؟ هل معقول أن نترك الماضى الثرى التقى و نلتفت الى الرومى الوهمى الشقى؟ لماذا لا نربط أطفالنا بالأبطال المسلمين؟
على أثر الحكايات التى روتها الأم لإبنها عن البطولات التى حققها أمراء بنى أرطق، ارتبطت نفسية صلاح الدين بهم و تعلم منهم الكثير. و قد ظل أمراء هذه الإمارة يقاتلون الصليبيين لمدة ثلاثين عاما حتى سلّموا الراية الى عماد الدين زنكى. كان سقمان بن أرطق أحد هؤلاء الأمراء الذين يستحقون أن ينظر اليهم بكل احترام. و كان هذا الأمير قد بلغ السابعة و الستين من عمره و هو مازال على ظهر الجواد. كما كان قد أصيب بمرض أنهك صحته، و مع ذلك كان يقود جنده فى الحروب القائمة بين امارته و امارة الرها. و رغم أن كل المحيطين به كانوا يشفقون عليه و هو فى تلك الحال من المرض و كبر السن والتمسوا له الأعذار الشرعية، الا أنه رد عليهم قبل موته بيوم واحد بكلمته الشهيرة: "و الله لا يرانى ربى متثاقلا عن الجهاد فى سبيله. ألم تسمعوا قوله تعالى :
"يا أيها الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم الى الأرض" ]التوبة 9: 38 [.
"انفروا خفافا و ثقالا و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون" ]التوبة 9: 41 [.
و لا شك أن رجلا بذلك القدر من تحرى الإخلاص لله عز وجل و باستشهاده فى اخر معركة خاضها، لا بد له أن يعلق بذاكرة صلاح الدين. فهما بلغ الإنسان المخلص من تعب أو كبر سن، لا يمثل كل ذلك حائلا أمام أدائه فريضة افترضها المولى تبارك و تعالى عليه. و لكن عند مقارنة ذلك التفانى مع ما يحدث اليوم من عدم الإلتزام مثلا بصلاة الفجر فى موعدها فى المسجد، و لا سيما أن الأعذار كلها واهية، فلا شك أن يزداد تقديرنا لمن تحرى تقوى الله و سعى لنيل رضاه.
و لا نغفل كذلك تضحيات بقية أمراء بنى أرطق و منهم ايلى غازى، شقيق سقمان، و الذى ظل يكافح من أجل وقف المد الصليبى الى أن استشهد و هو لم يتعد الثامنة و العشرين من عمره.
و كان من ضمن الأمراء الذين ذكرتهم الأم لصلاح الدين الأمير بلك بن بهران الذى أصبح أمل المسلمين فى التصدى للصليبيين و تحرير الإمارات كلها. و لكن، كما قتل عماد الدين زنكى نتيجة الغدر و الخيانة، قتل أيضا بلك بن بهران غدرا و خيانة. ومن غير قادة الصليبيين كانت له المصلحة فى التخلص من بلك بن بهران الذى كشفهم و فضحهم أمام شعوبهم؟
و يتعلم صلاح الدين من هذا المثال مدى بشاعة الخيانة و أثرها السلبى البالغ على الأمة، مما دعاه الى توخى الحذر و الحرص منها بقية حياته. و كذلك، فقد استخلص صلاح الدين من سماعه لقصص هؤلاء الأبطال أن الحياة تعد رخيصة عند العمل فى سبيل الله. و كانت أم صلاح الدين تبين له أن الشهيد ليس له عند الله سبحانه و تعالى من جزاء سوى الجنة، و فرح و سعادة دائمين، و قرب من المولى العلى القدير و النظر الى وجهه الكريم، و مغفرة الذنوب. و لنا أن نتخيل مدى السكينة و الطمأنينة لله فى نفسية الطفل و هو يستمع الى هذه التوجهات الدينية!
"الصدقة تطفىءغضب الرحمن"[1]
و من المواقف التربوية لأم صلاح الدين مع ابنها موقف غرست من خلاله فى قلب ولدها الرغبة فى نيل البر. فعندما تقدم له أمه الإفطار، يدور بينهما الحوار التالى:
"(الإبن) : ما شاء الله، كم أحب اللحم مطهوا بهذه الطريقة ... طريقتك الخاصة يا أمى! (الأم) : هل تحبه؟ (الإبن) : نعم... باسم الله. (الأم) : لحظة يا بنى، هذا ليس طعامنا، سنتصدق به. (الإبن) : أوليس لدينا طعام غيره نتصدق به يا أماه؟ (الأم) : بل لدينا الكثير بفضل الله، لكننا نحب هذا الطعام بعينه أكثر من غيره و تشتهيه أنفسنا الآن و هو أمامنا. لذا، سنتصدق به... فاذا حرمنا منه، ذقنا الحرمان الذى يكابده الفقير. و اذا رضينا، نلنا البر. ألا تحفظ قول الله عز و جل:
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " ]ال عمران، 3 : 92[.
و هكذا فقد غرست الأم حب نيل البر فى نفسية ابنها من خلال تجربة عملية للتربية على المنهج الإسلامى، وعودته منذ الصغر على الإيثار و التصدق، و هو ما ما جعل صلاح الدين الأيوبى مغدقا بالصدقات حتى أن المستشرقين يأخذون على صلاح الدين كثرة تصدقه على شعوب المسلمين فى مصر و الشام و مناطق أخرى. و كلما امتلأت خزائن بيت مال المسلمين أخذ فى توزيع الأموال على الفقرء حتى تفرغ الخزائن من كل ما كان فيها.
و عليه فان أى سلوك يتعلمه الطفل فى الصغر يحفر بداخله مصداقا للمثل الشائع:"التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر". ولا تقوم بهذه الوظيفة السامية الا أم عندها و عى و دراية بأسلوب متابعة الطفل و تغذيته بمعانى ايمانية ، و تربوية، و سلوكية كثيرة.
"كلكم راع و كل راع مسئول عن رعيته"[2]
تتضح القيمة الكبيرة للتربية السليمة من خلال حديث شريف اخرجه النسائى يقول فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم:"من ربى وليدا حتى يقول لا اله الا الله، لم يعذبه الله". و هذا يعنى أن على الأب و الأم أن يجتهدان لتنشئة شاب أو فتاة على تقوى الله سبحانه و تعالى، فيكون ذلك سببا لمغفرة ذنوبهما و عتقهما من النار. و يقول الله تعالى:
"يا أيها الذين امنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون" ]الأنفال، 8: 27[.
اذن، وفقا للأية الكريمة، فان الطفل يعد أمانة و قد خلق على الفطرة يوم سلمه الله العلى القدير لأبيه و أمه. و المطلوب من الأب و الأم أن يحسنا تشكيل أطفالهما، فلا يعقل مثلا أن يعطيك شخصا مبلغا من المال على سبيل الأمانة ثم ترده اليه ناقصا؟ بالتأكيد هذا لا يجوز و الا تكون قد خنت الأمانة. كذلك الأطفال، فهم الأمل فى النهوض بالأمة من جديد. و من ثم تنشأ حاجتنا الى استيعاب المفهوم الصحيح للتربية. يقول الله فى كتابه الكريم:
"و قل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا" ]الإسراء 17 : 24[.
و توضح لنا الاية القرانية ضرورة أن يطلب كل منا الرحمة لأبويه حيث أنهما ربياه عندما كان صغيرا، بما فى التربية من مشقة و تحمل مسئولية تعليم الأطفال ما يرضى الله و ما يغضبه (و العياذ بالله)، و الصواب و الخطأ، و الحلال و الحرام، ، و السلوك السوى و السلوك المعيب. و العكس صحيح، ان لم يعتن الأبوان بحسن تنشئة أولادهما، فكيف يستحقان اذن أن يتضرع أبناؤهما لله تعالى بالدعاء لهما بالرحمة؟ و لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :"ان شئتم انتزعتم العقوق منهم". و يوضح الرسول الكريم للأبوين أنهما بتربية أبنائهما على البر، سوف يكونان أول من يستفيد من بر أولادهما لهما. و بالتالى فالمسئولية الملقاة على عاتق الأب و الأم كبيرة و ينبغى حسن اتيانها حتى تعم الفائدة على الأمة بأسرها.
و قد بدأ صلاح الدين حفظ القران الكريم و هو فى التاسعة من عمره على يد الإمامين النيسابورى و ابن عصرون. و عند غياب أستاذه، كانت أم صلاح الدين تقوم هى بالتدريس له، رغم المشاغل الأخرى الملقاة على عاتقها. و فى الحادية عشر أتم صلاح الدين حفظ ايات الذكر الحكيم نتيجة لمتابعة الأم لإبنها. و عليه، فان وجود الأب و الأم بجوار أبنائهما ضرورى حيث أنهما يشكلان السلوك العام لأطفالهما.
معايير الشخصية السوية
اذا أراد الأب أو الأم تقييم الشخصية السوية عند الإبن فيكون ذلك من خلال خمس نقاط محددة. و التفكير الإيجابى يأتى فى طليعة الصفات التى تتيح للنشئ حسن التصرف سواء تواجدوا مع اخرين أو تواجدوا بمفردهم، و ذلك حتى يتعودوا على تحمل المسئولية. ولذلك، فقد استطاع صلاح الدين و هو فى الخامسة عشر من عمره أن ينقذ قافلة عصمت الدين خاتون، زوجة نور الدين محمود، عند تعرض اللصوص لها، و أن يصل بها الى الشام بسلام. و المعيار الثانى للتقييم يكمن فى اهتمامات الطفل. و على سبيل المثال، ما هى البرامج التليفزيونية التى تستهويه؟ ما هى الصفحة التى يسرع الإبن الى قراءتها بالجريدة؟ ما هى المواضيع التى يتحدث فيها مع من هم فى نفس عمره؟ فيم يقضى وقته؟ و هكذا يتضح ان كانت اهتماماته تقف عند حد الترفيه أم أن هناك انتقالا نوعيا يؤدى الى اهتمامه بالجوانب الحياتية الهامة. و يكمن المقياس الثالث فى ما لدى الطفل من مهارات حتى تتثنى مساعدته على تنميتها. فاذا أهملت المهارات، حرم الطفل من التفوق فى مجال يستطيع التميز من خلاله عن غيره من الأطفال. و رابعا، ينبغى تقييم علاقات الأبوين بالإبن للتأكد أنها تسير فى الإتجاه الصحيح من ثواب و عقاب بدلا من أن تكون مجرد تسلط مطلق من الأبوين أو تعبير عن مشاعر فياضة. و أخيرا و ليس آخرا، للتعرف على قدوات الطفل يكفى ملاحظة الشخصيات الرئيسية محور حديثه و اهتماماته.
فاذا جاءت تلك المعايير بنتائج ايجابية، يطمئن الأبوان لحسن تربيتهما لأبنائهما و أصبح من حقهما أن يطمحا فى اخراج عضو مؤثر فى المجتمع. و لا ينبغى الإعتقاد بأن تربية النشئ يقتصر على رعايتهم من حيث المأكل و الملبس و التنزه و الإنفاق عليهم، انما تقع كل تلك الأمور تحت بند الرعاية و ليس التربية. و التربية هى عبارة عن اضافة لجانب ايجابى أو محو لعنصر سلبى.
و اذا انتقلنا الى مرحلة أبعد من مراحل التربية السليمة للطفل، الا و هى قدرته على القيادة، وجب اذن التأكد من وجود اربع صفات به. الصفة الأولى هى الذكاء. و بطبيعة الحال فان كل الأباء و الأمهات يرون فى ولدهم طفلا ذكيا، ولكن المحك الحقيقى يكون من خلال اختبار يبين قدرات الطفل. و تتجلى الصفات القيادية الأخرى فى المبادرة والجرأة و الجدية.
و الغرض من عرض جملة هذه المقومات الإيجابية هو حث أولياء الأمور على التثقف و الإطلاع على كتب التربية. و ذلك كله يرجع الى حقيقة أن السبع سنين الأولى من حياة الطفل هى الأهم على الإطلاق فى حياة أبنائنا. و لذا حرص والد و والدة صلاح الدين على تنظيم وقته ما بين تحفيظ القران الكريم و تعليم الأحاديث النبوية الشريفة و حضوره لمجالس والده من جانب، و ممارسة الفروسية و لعب الكرة من جانب اخر، هذا بالإضافة الى أوقات الأكل و الإستماع الى القصة التربوية و النوم.
"اعبد الله كأنك تراه... فان لم تكن تراه فهو يراك"[3]
من خلال أحد المواقف يتضح أن نجم الدين ايوب كان موفقا فى غرس المفاهيم الدينية من تقوى و تحرى تقوى الله عز و جل فى نفسية ابنه. جاءت أم صلاح الدين ذات يوم تستأذن زوجها فى السماح لإبنهما يوسف بالتغيب عن صلاة الجماعة بالمسجد ليومين أو ثلاثة نظرا لمرضه و ارتفاع درجة حرارته، وكان الغلام ما زال فى العاشرة أو الحادية عشر من عمره. و اذا كانت الأم قد استأذنت الأب فى ذلك الأمر رغم مسئولياته المتعددة، فهذا دليل على أهمية متابعة انتظام الأولاد على الصلاة بالمسجد. و فعلا أذن نجم الدين لصلاح الدين أن يرتاح مدة مرضه بالمنزل. و بعد أيام قليلة، وعند عودته الى المنزل، وجد الأب ابنه يجرى و يلعب مع الأطفال فادرك أن الصبى قد شفى من مرضه. و فى فجر اليوم التالى، انتظر الأب حضور ابنه بالمسجد لأداء الفريضة، ولكن صلاح الدين لم يحضر، فهرول نجم الدين الى المنزل و دخل غرفة صلاح الدين ماسكا عصا فى يده و دار بين الأب و الإبن الحوار التالى:
"(الأب) : قم يا بنى فالصلاة حاضرة. (الإبن) : ساقوم للصلاة يا والدى. (الأب) : تمهل يا بنى، أخفت من العصا أم من ربك؟ حدد يا بنى!". وبذلك يكون الأب قد علم ابنه أن الخشية انما تكون من الله عز و جل الذى بيده مقادير الأمور كلها. و على هذا الأساس لا بد أن تكون تصرفات المسلم و هو فى منأى عن نظر الاخرين على نفس الأسلوب و النهج الذى هو عليه أمام الناس، وذلك لإن الله السميع العليم علينا رقيب. و فى الواقع، فان تعلم تحرى تقوى الله يبدأ من الصغر كما يتعلم الطفل الكلمات البسيطة.
كان أحد السلف الصالح يعلم ابن أخته و هو فى السابعة من عمره أن يردد عدة مرات قبل نومه أن الله يراه و ينظر اليه، حتى غرست تلك الكلمات فى نفسية الصبى. و عندما وصل الولد الى الحادية عشر، سأله خاله: "اذا كنت على يقين بأن الله سبحانه و تعالى يراك، فكيف تجرؤ على معصيته و على اغضابه؟".
تقييم الذات و اصلاح العلات
و حتى تعود مثل تلك القيم الى مجتمعنا، ينبغى أن نراجع أنفسنا، ففى أحيان كثيرة نفعل عكس ما نقول. و بالتالى ينعكس ذلك على الأبناء الذين يسمعون الأب أو الأم يتحدثون عن الأمانة ثم يكذبون و لا يوفون بالوعد. و لذلك لابد من تصفح الكتب الخاصة بالتربية و نلزم أنفسنا بما فيها من منهج قويم نسير نحن عليه ونعلمه لأبنائنا.
و لا مانع من اجراء استفسار مبدئى مع النفس نقيم فيه المعايير الخمسة السابق ذكرها للشخصية السوية، و لكن هذه المرة نختبر بها ذاتنا. و لسوف تحدد نتائج هذه المعاييراذا ما كان ولى الأمر مؤهلا للقيام بدوره التربوى أم لا. و بداية، فليراجع كل منا ايجابيته فى التصرف و رد الفعل، فهل فعلا لكل منا الثوابت التى يتمسك بها مهما تعرض لضغوط؟ ثم يتم القاء الضوء على الإهتمامات، لإن ما يراه الطفل مقبلين عليه و مشغولين به سيكون لافتا لنظره و ربما أقبل عليه هو الاخر. و من المهم كذلك عمل وقفة مع الذات لإعادة اكتشاف المهارات الشخصية التى تميز الشخص عن غيره، و الإقبال على تنميتها بما يعود بالفائدة على الذات و على الآخرين. و فى مجال المعاملات، هل لدى الفرد منا القدرة على التواصل مع الاخرين و اقامة علاقات سليمة معهم؟ و فيما يخص اعجابنا و اتباعنا لشخصية شائعة أو مميزة، من هى تلك الشخصية التى يعتبرها الإنسان قدوة له فى أفكاره و تصرفاته؟ و هل هذه القدوة صالحة و تعتبر مثالا يحتذى به عند السعى للفوز بالجنة،أم هى قدوة فى السلوك المعيب الذى يغمر صاحبه فى حب الدنيا و ينسيه الاخرة؟
فالمطلوب اذن هو اجراء هذا النوع من الإستقراء للذات من خلال وقفة صادقة مع النفس اذا كنا نسعى بالفعل لتربية جيل يخرج منه من يكون صلاحا لدينه و ليس مأخوذا عليه.
[1] حديث نبوى شريف.
[2] حديث نبوى شريف.
[3] حديث نبوى شريف. | |
|