سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 7 الخميس أغسطس 14, 2008 6:21 pm | |
| الفصل السابعنور الدين محمودالتفاعل المثمر ... أمل الأمة
لقد سبق التوضيح بأن عدم تفاعل الأفراد وفقا لما أوتوا من امكانيات يؤدى الى تخلف الأمة. و عليه، فالمطلوب أن يتجاوب قراء هذالكتاب، كل ٍ على القدر المتاح له، مع القيم المذكورة على مدى الفصول المختلفة للوصول بالأمة ا لى التكامل و النهوض. و كنا قد أشرنا فى الفصل السابق الى المتعة التى يشعر بها المتقرب إلى الله تعالى من خلال تصدقه. فمن تجاوب و قدم ما بوسعه، جزاه الله خيرا. و من لم تتح له بعد زيادة قدره من التفاعل الإيجابى لمصلحة الأمة، فعليه أن يراجع نفسه و نيته أثناء قراءته لهذا الكتاب.
الجهاد و الجود
شاء الله سبحانه و تعالى أن يكتسب صلاح الدين الأيوبى صفات الفروسية و الصلابة و الإصرار على النجاح من جانب، و أعمال الجهاد فى سبيل الله من جانب اخر، من عمه أسد الدين شيركوه. و نظرا لقربه أيضا من جمال الدين الأصفهانى فقد أخذ صلاح الدين عن ذلك الرجل جوده و حبه الكبير لعمل الخير.
سادس الخلفاء الراشدين
عندما يتطرق الحديث عن شخصية نور الدين محمود تتولد مشاعرالإحترام والتقدير و الإعجاب نظرا لإرتباط صاحبها بالله تبارك و تعالى ارتباطا شديدا، و لما قدمه للأمة الإسلامية من انجازات و تضحيات. هذا الى جانب أن نور الدين محمودا كان أحد الأشخاص الذين تركوا أثرهم الكبير فى تشكيل شخصية صلاح الدين الأيوبى. و كانت شخصية نور الدين محمود أقرب ما تكون الى الشخصية الربانية و الى شخصيات الصحابة أو السلف الصالح. يقول إبن الأثير عن نور الدين محمود " ما وجد حاكم عادل بعد عمر بن عبد العزيز مثل نور الدين محمود!". و يكفى أن ذلك المؤرخ بما له من صيت ذائع أطلق عليه لقب سادس الخلفاء الراشدين.
و كان القريبون من عماد الدين زنكى يعرفون مدى ارتباط و اعجاب أسد الدين شيركوه به نظرا لجهاده فى سبيل الله عز و جل، و رغبته فى رفعة شأن الإسلام، و حرصه على تحقيق الإنتصارات الواحد تلو الاخر. و بعد اغتيال عماد الدين، كان أسد الدين شيركوه ، رغم تأثره البالغ بوفاة قائده، هو الذى خلع خاتم الإمارة و السلطة من يد المتوفى و وضعه فى يد نورالدين محمود الذى كان واقفا أمام جثمان أبيه. و عند تردد نور الدين فى قبول التكليف، قال له أسد الدين شيركوه :"أن الموقف ليس موقف تردد و انما هو موقف عمل للإسلام يا مولاى. أجدك كفئا لهذا الموضع و قد وضعك به رب العالمين بعد وفاة والدك عماد الدين زنكى". وقد تولى نور الدين محمود القيادة سنة 541 ميلادية، و عندها عين أميرا على حلب، فى حين كانت الموصل تحت امرة سيف الدين غازى.
عباد الرحمن و قيام الليل
رغم ما تمتع به نور الدين محمود من صفات قيادية تمثلت فى قدراته العسكرية الفذة و مهاراته السياسية المحنكة، الا أن اهم ما يذكر به هو قربه من الله سبحانه و تعالى. وعادة ما ينظر فى أيامنا هذه الى كلمة "ادمان" بمفهوم سلبى نظرا لعلاقتها بادمان تعاطى المخدرات أو شرب الخمر. و لكن ابن الأثير يعبر عن تقرب نور الدين محمود من رب العزة بقوله :"ان نور الدين محمود كان مدمنا لقيام الليل!". و مقصد ابن الأثير من استخدامه لهذا اللفظ ينبع من رغبته فى توصيل معنى عدم اكتفاء نور الدين بعدد محدد من الركعات كان يقومها ليلا، و انما اقباله على الزيادة فى عدد الركعات مع مرور الوقت. و بالإضافة الى قيامه الليل، كان نور الدين محمود قائدا منتصرا على الصليبيين، و عاملا على رفعة شأن الإسلام. و بالتالى، هذه هى الصفات التى استحق بسببها تولى القيادة و الترقى فيها بعزة و كفاءة. فان أردنا اختيار القائد المناسب لأى موقع من المواقع، كبيرا كان أو محدودا، فالأحرى أن نتوخى فى ذلك الشخص خشيته من الله جل علاه و العمل على ارضائه من خلال الإلتزام بأداء المناسك الدينية من صلاة و زكاة و غيرهما، و القيام بأعمال الخير من تصدق و رعاية مصالح المسلمين. و فى الواقع، فان القيمة الحقيقية للإنسان تتحدد بقدرعلاقته بالله سبحانه و تعالى، و ليس بقدر منصبه، فالمحك هنا أن يكون فردا ربانيا أو لا. و على ذلك، فان سيرة نور الدين محمود تكشف لنا الأسباب الحقيقية التى سخرها الله جل شأنه ليكتب له الإنتصارات على أعدائه.
فى حالة الحرب، تقوم كل دولة بتكليف عملاءها بجمع الأخبار عن الدولة المعادية، بما فى ذلك من معلومات عن الحالة النفسية للمجتمع المعادى. و لذلك فقد قامت ادارة الإستخبارات العسكرية فى الدولة النورية بالحصول على أخبار وصلت الى صلاح الدين الأيوبى لكونه مديرا لأمن دمشق فى ذلك الوقت. و كانت تلك الأخبار تفيد بأن الناس فى بيت المقدس كانوا يقولون :" ان هذا القسيم بن القسيم قد أذاقنا المر و أهلكنا و أغار على بنياس، و حارم، و سهولنا فى بيروت و طرابلس، ويحاول تحرير بلاد الإسلام. ان هذا القسيم بن القسيم بينه و بين الله سرا ينتصر به". و فى الواقع ما انتصر نور الدين بعدة و لا عتاد، انما انتصر بركعات يسجدها لرب العالمين ليلا و بكفيه يرفعهما الى السماء متضرعا بالدعاء، هذا هو الذى جعله ينتصر!
فليتعرف اذن كل فرد و كل مسئول فى أى موقع على قيمته الحقيقية من خلال تقييم علاقته بالله تبارك و تعالى. و لا تطنن أنه بامكان الواحد منا أن يصادف توفيقا دون اللجوء الى المولى العلى القدير. فيكفى المؤمن أن يركع ركعتين قضاء حاجة حتى تتحقق حاجته نتيجة توجهه لبارئه. و بهذا الخصوص، نفرض أن أحدا منا جاءه رئيسه فى العمل يزوره فى الثالثة صباحا، فهل يتركه يقرع على الباب ام أنه يهرول فى استقباله باديا كل مظاهر الترحيب و الإحترام؟ فما بالك اذن بالله رب العالمين، الإله الذى خلق و رزق و اعطى و ينتظر منك أن تعبده، ألا يستحق من المسلم أن يقوم له فى ذلك الوقت. و فى حديث البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه و أرضاه، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: "يتنزل ربنا تبارك و تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول "من يدعونى فأستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟". هل من المعقول اذن أن يسأل رب العزة هذه الأسئلة و الفرد منا يظل نائما أو يضيع وقته عبثا؟ اذن، فالإنسان الذى يصلح فعلا للقيادة هو الذى يشعر برحمة الله عليه و يسعى فى طلبها و لا يتخلى عنها أبدا. و كذلك، فالقرب من الله هو المعيار الحقيقى الذى ينبغى أن يتخذ عند الحكم على مدى صلاحية شخص ما للقيادة. و لذا، فان الإنسان الفطن هو الذى لا يدع الليل يفوته دون أن يتضرع الى الله عز و جل سائلا اياه التوبة و المغفرة. و تظل الرحمات تتنزل بصفة خاصة حتى تطلع الشمس.
بدون مبالغة، يعد درس قيام الليل الأهم على الإطلاق فى التركيبة النفسية و الإيمانية لشخصية صلاح الدين الأيوبى. و لكن، كيف أصبح قيام الليل جزءا من حياة صلاح الدين؟ التاريخ يروى أن صلاح الدين انتقل الى دمشق و عاش فى قصر نور الدين محمود الذى كان له بمثابة الأب الروحى له. و لذا كان من الطبيعى أن يشعر صلاح الدين بقيمة قيام الليل عندما يرى نور الدين حريص عليه أشد الحرص. و هكذا واظب صلاح الدين على قيام الليل حتى أن ابن الأثير يقول:" فكان لصلاح الدين ركعات من الليل يسجدها فى كل ليلة، فان فاته الليل قام بعد شروق الشمس مصليا ما كان عليه من ليل". و ليس هذا بغريب على صلاح الدين.
يتضح مما سبق أن النجاح الذى صادفه صلاح الدين فى حياته لم يكن عبارة عن أسطورة تناولتها الألسن على مر الزمان ، و هذا واقع يبعث على الفخر و العزة ما كان له أن يتحقق لولا صفات صلاح الدين التى اكتسبها من المحيطين به و المؤثرين فيه.
"ياأيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم"[1]
بعد فتح امارة الرها على يد عماد الدين زنكى، نشأت فى أوروبا حركة كبيرة بهدف القضاء عليه وأخذ الصليبيون يعدون حملة جديدة لتحقيق مأربهم. و لكن كانت يد الغدر أسبق من يد العدو الى اغتيال عماد الدين زنكى. و بعد وفاة ذلك القائد المجاهد فى سبيل ربه، تحركت الحملة الى الشرق و وصلت أنباؤها الى نور الدين محمود الذى كان فى وضع أصعب من وضع والده حيث لم يكن قد ثبت أقدامه بعد فى البلاد و كانت الأخبار تشير الى أن أوروبا أعدت جيوشا قوامها ثمانمائة ألف مقاتل. بل ان من دواعى الحسرة أن يتخاذل جميع الأمراء المسلمين و يمتنعوا عن مؤازرته فى مواجهة عدو الإسلام. و لكن سبق و أن قدمنا لأسباب الإنتصار التى تتلخص فى الايات التالية اذ يقول الله عز و جل:
"انا لننصر رسلنا و الذين امنوا" ]غافر، 40 : 51[.
"و ما النصر الا من عند الله" ]الأنفال، 8 : 9 /10[.
"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله" ]البقرة، 2 : 249[.
و الغريب أن بعض المحيطين بنور الدين محمود أشفقوا عليه من مواجهة الحملة الصليبية الثانية و أثنوه عن التصدى للجيش الجرار الذى أعده الصليبيون للقدوم به، معتقدين أنه لا يستطيع أى قائد، حتى عماد الدين زنكى نفسه لو كان حيا، أن يصمد أمامه. و لكن نور الدين كان على يقين راسخ بايات القران الكريم السابقة التى تخبر بنصر الله سبحانه و تعالى للمؤمنين بغض النظر عن الشواهد الدنيوية من عدد و عدة حيث أن الله على كل شئ قدير و لعباده نصير. و عندما علم نور الدين بأن السفن الصليبية قد رست على شواطئ عكا، وقف على أسوار دمشق يطلب من معين الدين أنر و مجير الدين و أمراء دمشق فى ذلك الوقت، بعدم السماح لقوات الحملة الصليبية الثانية بالمرور بأراضيهم. و لكن للأسف، رفض معين الدين طلب نور الدين متعللا بالمعاهدة التى كان قد أبرمها مع الصليبيين و التى تتيح لهم المرور بأراضيه وقتما شاءوا. و رغم ذلك، أخذ نور الدين فى تجميع قواته التى كانت تتالف من ثمانية الاف مقاتل. ترى ماذا كانت نتيجة مواجهة هؤلاء المؤمنين للجيوش المؤلفة من ثمانمائة ألف صليبي؟ ببساطة، النتيجة كانت تصديقا للايات القرانية السابقة حيث يروى ابن كثير فى كتابه "البداية و النهاية" ما حدث للسفن الصليبية و كيف انتهت المواجهة بين القوتين فيقول: "شاهدت بعينى أسطولا مهولا. شاهدنا سفنا لايحصى لها عدد حتى اننا لم نستطع أن نرى مياه البحر التى غطتها السفن. كل من فى الشام يتحدث عن هذا الجيش المعجزة و عما سيحدثه فى أرض الشام و دياره، و دنوه من البر. زاغت الأبصار و بلغت قلوبنا الحناجر . و فجأة، تلبدت السماء بالغيوم و أمطرت و أرعدت و صارت السفن تتلاطم كالأمواج ، وما نشاهده ليس أمواجا بل حطام السفن يضرب بعضه البعض. و بعد ايام من تغيير البحر، لم نجد من الناجين من جيش كان مقداره ثمانمائة ألف مقاتل الا ألفين فقط. و صدق الله العظيم اذ يقول فى محكم التنزيل:
"و ما يعلم جنود ربك الا هو" ]المدثر، 74 : 31[.
لقد أيد الله تبارك وتعالى نور الدين و من معه وآزرهم بجنود و نصر من عنده. والسؤال المطروح "ما دخل نور الدين فى ذلك التأييد الإلهى؟ يروى التاريخ أن نور الدين، عندما وصلته الأخبار بوصول السفن المعادية و رسوها، سجد فى خيمته سجدة تذكر عند رب العالمين يوم القيامة، سجدة بكى فيها قائلا: "اللهم انا عبادك، خرجنا من أجلك. لم نخرج شرا و لا بطرا. خرجنا من أجل نصرة دينك. اللهم انا جمعنا كل ما نستطيع و لم يعد فى أيدينا حيلة، و لم يبق غير الإخلاد اليك و الركون اليك. اللهم انصرعبادك، ليس لكون محمود بينهم فأنا الكلب فيما بينهم". اذن، فان تلك الكلمات الصادقة و الخالصة لوجه الله تعالى هى التى جلبت رحمة المولى العلى القدير و نصره لمن لجأ اليه خالصا مخلصا. لقد أرجع نورالدين الأمر لله و حقّر نفسه و تنكر لها امام خالقها فاستحق المؤازرة و أنقذه الله من الذل لأعدائه. "اللهم انى من بينهم الكلب. اللهم انصرهم بالضعفاء ممن يدعونك. اللهم انصرهم بمن خرج فى سبيلك. اللهم انا عبيدك و هم أعداؤك، فانصر عبيدك على أعدائك". فوالله الذى لا اله الا هو، ان شخصية نور الدين الربانية كانت بمثابة السلاح الإستراتيجى السرى الذى استخدمه ضد أعدائه. و هو السلاح الذى نستخدمه كلما حلت بنا مصيبة أو استعصى علينا حل مشكلة من المشاكل، الا و هو التضرع الى الله باخلاص و يقين بالإجابة ان شاء الله. هل هناك ما يعيب ركوع نور الدين بين يدى خالقه و بارئه؟! لا والله، فليس لمسلم أو لقائد النجاة و النجاح الا بلجوئه إلى الله و تواضعه أشد ما يكون التواضع لله عز و جل.
أمر المسلم كله لوجه الله تعالى ... حتى الزواج
هناك مدخل اخر الى حياة نورالدين محمود لا يقل أهمية عن المداخل السابقة، وهو عبارة عن زواجه من عصمة الدين خاتون ابنة معين الدين أنر والى دمشق. فما هو الأساس الذى جعله يختارها؟ و لماذا أصر على الزواج منها بصفة خاصة؟ و فى الواقع، فان الإجابة على هذه الأسئلة تستحق من كل شاب و فتاة مقبلين على الزواج أن يفتحوا عقولهم قبل قلوبهم لعلهم يصيبون خيرا عند اختيارهم لشريك الحياة الزوجية.
و تذكر الحقائق التاريخية أن نور الدين محمود كان قد طلب أكثر من المرة من معين الدين أنر أن يقف فى صفه ضد الصليبيين، و لكن دون أدنى جدوى. و لما كان نور الدين يدرك أهمية الوحدة بينه و بين معين الدين حتى ينتصر الإسلام على أعدائه، فأخذ يفكر فى وسيلة تقربه من معين الدين و تجعله حليفا له على الصليبيين، و هداه تفكيره الى طلب الزواج من عصمة الدين خاتون ابنة معين الدين أنر. و مع ذلك، لم يكن التحالف مع معين الدين أنر هو الغرض الوحيد من التقدم للزواج من عصمة الدين خاتون، وانما السمعة الطيبة التى كانت تحظى بها كان حجر الزاوية فى ذلك الطلب . اذن فالإختيار الأمثل الذى يقبله المسلم لزوجته هو الصلاح و تحرى تقوى الله عز وجل، بما ينتج عن ذلك من حب و وفاء للزوج من جانب زوجته و صيانتها لنفسها و اولادها.
و لأول وهلة، بينه و بين نفسه، رفض معين الدين تزويج ابنته لنور الدين، و راح يحدثها بالطلب و الفرض، فدار بينهما الحديث التالى:
"(معين الدين) : تخيلى ياابنتى أن نور الدين محمود، عدونا اللدود، جاء يخطبك منى. (عصمة الدين): و أنا قبلت الزواج منه. (معين الدين) : هل ذلك معقول؟ هل قبلت بالفعل أن تكونى زوجته؟ (عصمة الدين): و لم لا أقبل اليد الوحيدة الممدودة فى المنطقة لتحرير بيت المقدس؟!"
و تزوجت عصمة الدين خاتون من نور الدين محمود. و قد كان زواجهما فيه قدر كبير من الهدوء و السعادة نظرا لتشابه طباعهما و اشتراكهما فى حب التقرب الى الله جل شأنه و فى وضوح أهدافهما. و قد حدث ذات مرة أن استيقظت عصمة الدين خاتون فى حالة ضيق شديد، و كان نور الدين يستعد لأداء صلاة الفجر، فعرف منها انزعاجها لعدم استيقاظها من قبل لقيام الليل. و رغم ما يشغل بال نور الدين محمود كحاكم لدولة اسلامية و كقائد عسكرى، الا أنه عز عليه أن يترك زوجته فى حالة الضيق، خاصة بعد أن أظهرت مدى حرصها على التقرب من الله عز و جل. فماكان منه الا أن أمر بتصنيع داخل قلعة دمشق ما يسمى بالطبلخانة، و هى عبارة عن دائرة مسطحة كبيرة من النحاس يضرب عليها احد الجند بمطرقة فتصدر ضجيجا عظيما ساعة السحر، قبل الفجر بساعة، حتى توقظ من يريد قيا م الليل. و كان نور الدين يشعر بأهمية هذا ألأمر فأخذ يجذل العطاء لمن يطرق على الطبلخانة.
نخرج من ذلك الموقف بين الزوج و زوجته بعبرة للزوجات فى مدى حرص المرأة على تواصلها مع الله جل علاه، و عظة للأزواج فى مدى حرص الرجل على اللطف مع زوجته و معاونتها على طاعة الله. و قد صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قال: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى ركعات ثم أيقظ أهله، فان أبت عليه نضح على وجهها الماء فقامت فصلت فكتبا من الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات".
هكذا كان حال بيت نور الدين محمود... بيت قيادة، بيت له قيمة، بيت حقيقى. و لذلك فنحن فى أمس الحاجة الى الإسترشاد بهذه النوعية من التراحم الأسرى الذى أثر بلا شك فى أسلوب تنشئة صلاح الدين الأيوبى. و اذا أراد الواحد منا أن يكون متصلا بالله تبارك و تعالى و أن يعمل لدينه فعليه أن يصحح قلبه و نواياه، و ان يقوم الليل. و نذكر حديث الرسول صلى الله عليه و سلم :"ركعتين فى جنح الظلام تعدلان الدنيا و ما فيها". و بالفعل، فمهما كان لدى الإنسان من سلطة أو مال أو ابناء أو توجه لغير الله العلى القدير فانه لا يعدل ركعتين يهب الله فيهما لعبده أو أمته فتوحات و فيوضات تسعد حياتهم فى الدنيا و تطفئ عنهم نار جهنم فى الاخرة حتى يكونوا من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل الا ظله "رجل فاضت عيناه". كان نور الدين محمود كثير البكاء و شديد الإهتمام بأمر المسلمين.
فى هذا الموضع، لا أجد ما أختم به هذا الفصل خير من توجيه الدعوة لكل مسلم و مسلمة الى الإقبال على قيام الليل. فاذا حل المساء و جاء وقت النوم، فما أتقى و أطيب أن يتوضأ الفرد منا و يصلى ما تيسر له من ركعات، طويلة كانت أو قصيرة، يملؤها الإخلاص و الصفاء للمولى عز و جل. فاذا جاء العبد منا بيدين متضرعتين و قلب سليم، كان أهلا للرحمة والغفران والعفو و الرضا من الله العلى القدير.
[1]]محمد، 47 : 7[.[/b] | |
|