المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى

عــــنــــدمــــا يـــجــــتـــمـــع الـــخــــيـــال مـــع الــــواقـــع فـــي تــــفــــكـــيـــر حــــر
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 10

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سيف الحق
عضور مؤثر
عضور مؤثر



ذكر عدد الرسائل : 75
العمر : 33
العمل : طالب
المزاج : متفائل بالخير
تاريخ التسجيل : 20/07/2008

صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 10 Empty
مُساهمةموضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 10   صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 10 Icon_minitimeالخميس أغسطس 14, 2008 6:17 pm


الفصل العاشر

نقطة التحول


الحل الحقيقى

لقد أوضح لنا الفصل السابق أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم بخصوص مصر أدت الى ادراك نور الدين محمود للمكانة التى أرادها الله سبحانه و تعالى لهذا البلد. و بالتالى، تيقن ذلك القائد المؤمن بربه و برسوله أن توحيد الشام و مصر سيعود بالفائدة على الأمة الإسلامية سياسيا و اقتصاديا و عسكريا. و ذلك مجرد مثال بسيط يبرهن على مدى النجاح و الفلاح الذى يقابل كل من أقبل على اتباع هدى الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم. و من ثم يجدر بنا احياء السنن النبوية بقدر الإمكان، فكلما اقتربنا من المنهج النبوى كلما دنونا من الحل الحقيقى لكثير من مشاكلنا على مستوى الفرد و الأمة.

البابين

فى الواقع، يروى التاريخ أن خيانات شاور المتكررة و غدره المستمر أدت الى تأزم الموقف الذى كان يواجهه جيش أسد الدين شيركوه. و بالفعل، وصلت الأخبار فى ذلك الوقت أن القوات القادمة من بيت المقدس يصل عددها الى ثلاثون ألف مقاتل صليبى لإحتلال مصر. و هكذا وقف أسد الدين شيركوه موقف المدافع عن جيشه و عن البلد الذى يعشقه و هى مصر. و كان لا بد اذن أن يبدأ بتأمين الجند الذين قدموا معه فبعث الى شاور بغرض التفاوض معه، ولكن الأخير امتنع عن التفاهم و أبدى كافة صنوف الغدر اذ أن همه الأول و الأخير كان طمعه فى الحفاظ على منصبه دون النظر الى مصلحة البلاد و الأمة. و بناءا عليه، وجد أسد الدين شيركوه ان موقع جيشه بأطفيح غير مناسب من الناحية العسكرية لإنه من السهل محاصرته بواسطة الجيش المعادى. و لذلك بدأ ينسحب الى الصعيد و أرسل مستطلعيه لإختيار أفضل موقع لخوض المعركة المنتظرة. و جاءه الرد ممن أرسلهم أن خير مكان للتمركز فيه يقع بالقرب من المنيا و اسمه "البابين" لتميزه باتساع شديد و عدم احاطته بالجبال مما يسهل عمليات الكر و الفر. و فى الوقت الذى اقترب فيه أسد الدين من "البابين"، صعد أمورى من ضغوطه و تحرشه بجيش أسد الدين طوال فترة انسحابه من أطفيح، غير أن الجيش النورى وصل الى "البابين" سالما.

" و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" [1]

و السؤال الذى يتبادر الى الذهن هو"هل كان أسد الدين شيركوه على استعداد أن يجازف بألفى جندى أمام جيشا قوامه ثلاثون ألف، خاصة أن هؤلاء الجند كانوا يعتقدون أنهم فى مهمة لتحصيل المبالغ والعودة دون خوض أية مواجهات عسكرية؟". و بناءا على ذلك ، كان الراى الغالب لقادة جيش أسد الدين يميل الى ضرورة الإنسحاب و عدم مواجهة العدو عسكريا. بل ان البعض تساءل عن جدوى القتال دفاعا عن شعب مصر، و عن خطورة خوض معركة محسومة مقدما لصالح الأعداء. و كان من أنصار الإنسحاب كل من قطب الدين ينال، و عين الدولة ياروقى، و شهاب الدين الحريمى خال صلاح الدين الأيوبى، و كلهم من كبار الأمراء النوريين. و قد تذرع هؤلاء القادة بعدة أعذار مثل عدم تصريح نور الدين محمود لهم بالقتال، و عدم وجود احتمال لوصول مدد من نور الدين محمود، و عدم وجود قوات قريبة تستطيع الإشتراك بجانبهم فى القتال. و بالتالى، كان الرأى السائد للسابقين من قادة الجيش يقضى بالإنسحاب الى الصحراء الشرقية ثم العودة الى الشام و طرح الموضوع أمام نور الدين محمود ليأخذ قرارا بشأنه. و لإن الإسلام يأخذ دائما بالصدق و ليس بالسبق، فاذا بأصغر القادة سنا، و هو شرف الدين برغش، يقف موقف الرجولة و الشرف لما كان يتمتع به من قوة شخصية و حماس و يقين على الله تبارك و تعالى بأن النصر لابد قادم، مصداقا لقول الله عز و جل:

"ياأيها الذين امنوا ان تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم"[2]


فقد كان شرف الين برغش يرى أن قلوب و عقول أغلب الحاضرين لذلك الإجتماع متجهة تماما الى الدنيا و أسبابها التى تجعل من كثرة العدد و العدة عنصر الحسم و الإفضاء الى انتصار الأعداء المتمتعين بتلك الأسباب الدنيوية. و لكن فى الحقيقة، فان الأمر مختلف عن ذلك تماما لإن الله سبحانه و تعالى هو الذى وضع كل الأسباب و هو القادر على أن يحولها من نعمة الى نقمة أو العكس بمشيئته اذ يقول فى كتابه الحكيم:

"انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذى بيده ملكوت كل شيئ و اليه ترجعون" ]يس، 36 : 82 – 83[.

و بالطبع كانت لكلمات شرف الدين برغش تأثيرها الفعال على الحاضرين جميعهم، فأيد كل من أسد الدين شيركوه و صلاح الدين الأيوبى ما قاله شرف الدين، و كذلك بدأت قلوب و عقول الاخرين تتغير عما كانت عليه من تمسك بالدنيا و أسبابها، حتى أن الرأى الأخير كان لصالح المواجهة و القتال.

"و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون"[3]

و اتخذ القرار بأن يبدأ هجوم جيش أسد الدين مع أول شعاع من فجر اليوم التالى. و لكن كان ينبغى بطبيعة الحال الإعداد المحكم للمعركة عملا بالاية الكريمة:

"و اعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم و اخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم" ]الأنفال، 8 : 60[.

و بما أن عدد المقاتلين المسلمين كان لا يتعدى الألفين، فلا بد اذن من أن يتم توزيعهم التوزيع الأمثل بما يتفق مع ذكاء و حيلة أسد الدين. و نظرا لسابق المواجهات العسكرية ضد أمورى و لمعرفته بأسلوب أسد الدين الذى يقضى بتواجده شخصيا على رأس الجند المتمركزين فى قلب الجيش، أراد أسد الدين تغيير اسلوبه ليحدث مفاجأة تربك صفوف الأعداء و تحقق له النصر باذن الله العلى القدير. و كان أسد الدين يعلم أن الصليبيين لا يهاجمون بكل صفوفهم دفعة واحدة، و انما يدفعون بجزء من الجيش و يريحون الجزء الاخر. و لذلك قرر أن يغير من خططه التى اعتاد تنفيذها أثناء المعارك. و لذا فكر فى أن يجذب مقدمة الجيش الصليبى للأمام حتى تبعد عن المؤخرة و ذلك بأن يدفعها للتعامل مع قلب الجيش المسلم، و فى نفس الوقت يكون أسد الدين قد التف حول مقدمة الصليبيين فيأتى اليهم من الخلف ليضعهم فى كمين بينه من خلفهم، و بين قلب جيشه الذى يواجههم من الأمام. و بما أن دور كل من الجزأين الأمامى و الخلفى للجيش النورى كان فى غاية الأهمية حتى يتم تنفيذ الخطة الموضوعة و تحقيق النصر، فقرر أسد الدين أن يقود هو بنفسه الجزء الخلفى، و بقى تحديد قائد القوات الأمامية. و بما أن مواجهة العدو من الأمام كانت تتطلب قدر كبير من الجسارة و التعامل معه بشدة، فقد اختار أسند أسد الين تلك المهمة الدقيقة الى صلاح الدين الأيوبى لسابق علمه بقدرات ابن أخيه و لثقته فيه. و كانت بالفعل هذه أول مواجهة لصلاح الدين و فرصته يبرز الخبرات التى تعلمها من أسد الدين. و بدأ صلاح الدين بالفعل فى مناوشة مقدمة الجيش الصليبى و سحبه الى الأمام ليبعده عن المؤخرة الصليبية. و فى اللحظة الحاسمة، انقض أسد الدين على الصليبيين من خلفهم ليشتت جيش أمورى ويحقق الإنتصار فى اقل من ساعات! سبحان الله العلى العظيم ... استطاع ألفين من المؤمنين أن ينتصروا على ثلاثين ألفا من أعدائهم بفضل توكلهم على الله تبارك و تعالى حق توكله بما أبدوه من حسن تخطيط و تنفيذ لمقدرات المعركة.

"بدر" ... تعود من جديد

و بذلك كان الإيمان بالله هو السلاح الماضى الى يوم الدين لتحقيق النصر للمؤمنين على أعدائهم. فالقادر هو الله، و الرازق هو الله، و الناصر هوالله، و المعز المذل هو الله. و بالطبع كل هذه الحقائق لا يمكن الجدال فيها بأى وسيلة حتى و ان كانت جذابة مثل الأفلام السنيمائية التى تزيف و قائع الأمور. و يبقى تأثير تلك الحقائق على القلوب حتى تخرجها من ماديات الحياة الدنيا التى يتحكم فيها المولى العلى القدير و يقلبها كيفما شاء. و بعد الأنتصار الذى تحقق، قام الجند المسلمون ليلا ليشكروا الله تبارك و تعالى على نصره لهم، فمنهم من قرأ سورة التوبة، ومنهم من قرأ الأ نفال. و منهم من شعر بان الملائكة كانت تقاتل معهم كما قاتلت من قبل فى "بدر"!

"هنالك ابتلى المؤمنون و زلزلوا زلزالا شديدا"[4]

بعد انتهاء معركة البابين بانتصار المسلمين، أخذ أمورى يستجمع قواته المشتتة. و بدلا من أن يرضخ شاور لصوت الحق و العدل و يعطى لأسد الدين الأموال التى تم الأتفاق عليها منذ أكثر من أربع سنوات مضت، فاذا به ينضم بما أوتى له من جند الى جيش أمورى. و الأمر الذى يدعو للإشمئزاز أن شاور اتفق مع أمورى الى زيادة ما يعطيه له الى ألف الف دينارا ذهبية، اعطى له منها بالفعل ثمنمائة ألف، فى مقابل أن يساعده الأمير الصليبى على القضاء على جيش أسد الين شيركوه، فى حين أنه رفض اعطاء أخيه المسلم أسد الدين شيركوه الخمسين ألف دينارا الذى كان قد اتفق عليها معه مقابل مساعدته لإسترداد شاورالوزارة من ضرغام. و كان و ما زال العذر الواهى الذى يتبجح به كل من سولته نفسه لخيانة اخوه المسلم، أمس و اليوم أيضا، يتمثل فى تلك الكلمة البغيضة "السياسة". و لكن العلاقة الحقيقية التى ينبغى للمسلم أن يقيمها و أن يتمسك بها هى علاقته بالله سبحانه و تعالى.

فى تلك اللحظة، كان أهل الإسكندرية فى شوق للجيش النورى فدعاهم قاضى الإسكندرية و فتح الأبواب لصلاح الدين الذى دخلها مع جنده انتظارا لقدوم أسد الدين من الصعيد. و فى الواقع، كان أسد الدين قد ظل بالصعيد ليجمع المؤن للجيش حتى يستطيع العودة الى الشام. و بدأ بالفعل تحالف قوات أمورى و شاور فى محاصرة صلاح الدين الأيوبى فى غياب أسد الدين شيركوه فى الصعيد، و ذلك لمدة أربعة أشهر كاملة. و كان صلاح الدين هو القائد الذى شاء الله أن يختبره بذلك الإبتلاء الشديد ليكون الجزاء فيما بعد خير جزاء. فكان صلاح الدين هو الذى تحمل عبء ذلك الحصار المرير بفضل يقينه على المولى العلى القدير و رغبته فى بلوغ الفردوس الأعلى من الجنة. و رغم أنه لم يكد ينتهى من معركة "البابين"، الا أنه كان يعلم ان الجنة حفت بالمكاره، و لذلك أصبح لزاما على الفرد المسلم أن يتبع الطريق القويم بما يعنيه ذلك من اقبال على الطاعات مثل الإلتزام بالفرائض و الإكثار من النوافل، و البعد عن المعاصى من غيبة و أكل مال الاخرين و النظر الى المحرمات و غيرها. أما من ابتغى عرض الحياة الدنيا فمأواه النار و بئس المصير. و من المهم التأكيد على أهمية العمل بكلام الخير و ليس الإستماع اليه أو قراءته فقط. و على سبيل المثال، فانه من السهل التحدث عن مفاهيم الجهاد و التضحية و البذل و العطاء و الأخلاق و القيم، و لكن الصعب هو التنفيذ الذى يحتاج لجهد متواصل فى سبيل الوصول اليه. و قد تعلم صلاح الدين من موقعة البابين ان القول غير الفعل، و أنه اذا كان التدريب الذى تلقاه من عمه قاسيا الا ان مواجهة الصليبيين فى تلك الظروف المريرة كان أمرا مختلفا للغاية. و قد عانى صلاح الدين كثيرا بسبب ندرة المؤن طيلة حصاره لمدة أربعة أشهر بالإسكندرية.

المعدن الأصيل عند الأزمات

وصلت أخبار حصار صلاح الدين فى الإسكندرية الى نور الدين محمود. و من منطلق حرصه على اخراج الجند المسلمين من تلك المحنة، سار بجيوشه نحو بنياس لإستعادتها من جديد بعد ان كان الصليبيون قد استولوا عليها مرة أخرى. بل انه بدأ يهدد امارات أنطاكيا و بيت المقدس فى وضح النهار و يعد العدة للحصول عليها. و من جهة، بدأت أخبار انتصارات نور الدين محمود تصل الى أمورى، و من جهة اخرى ظهر المعدن الحقيقى لشعب الإسكندرية المسلم الذى كان يئن تحت حكم الفاطميين و لكن ما ان وجد القائد المسلم ذو الفطرة السليمة والمتمثل فى شخص صلاح الدين الأيوبى الا أعلن عن تكاتفه مع الجند المسلمين و أخذ يمدهم بالمؤن حتى أن الأب كان يرى أبنائه يتضورون جوعا فيطعمهم باقل القليل و يتبرع بالجزء الأكبر للجيش النورى. و كان تكاتف أهل الإسكندرية مع صلاح الدين و جنوده بغرض عدم تسليم مدينتهم للصليبيين، و قد شهد ذلك التكاتف السكندرى أصناف عديدة من العطاء, و هذا ان دل على شيئ فانه يدل على أن الشعب الإسلامى لايموت، فمن الجائز أن يغفو و لكن لا بد له من النهضة على صحوة قوية ان شاء الله، و يبرز المارد الإسلامى
من جديد. أما عن صلاح الدين فقد تحمل كل العبء و المعاناة حتى استطاع أسد الدين أن يخترق الحصار و يصل اليه فى الإسكندرية.

جناحى الأمة

و بدأت المفاوضات فى الإسكندرية بين أسد الدين و أمورى و انتهت على أن يترك مصر كل من الجيشين النورى و الصليبى. و فعلا، انسحب الجيش بقيادة أسد الدين، و لكن أمورى نكص العهد و لم يترك الإسكندرية بل انه فرض على مصر جزية سنوية قدرها مائة الف دينار، و وقعت مصر تحت الإنتداب الصليبى، و عين خبراء اقتصاديين و سياسيين لمساعدة شاور فى ادارة شئون مصر، و ترك حامية صغيرة فى القاهرة.

و عاد الجيش النورى الى الشام دون تحصيل الأموال التى وعد بها ثلاث مرات. و بقى شاور وزيرا على مصر، كما بقيت مصر تحت الإنتداب الصليبى. و كان أسد الدين شيركوه قد تألم كثيرا لمفارقته مصر، فى حين أن صلاح الدين قد سعد بعودة الجيش سالما الى الشام. ازاء ذلك التناقض فى الاراء دار الحوار التالى بين أسد الدين و ابن أخيه:

"(صلاح الدين) : أمازلت تذكر مصر يا عماه؟ لكأنى ألمس فيك عشقا لها.
(أسد الدين) : ان مصر و الشام بالنسبة لنا جناحان و لا قيام للأمة بدونهما كالطائر الذى لا يطير بجناح
دون الاخر، و لا نصر بغير مصر فان فيها خير اجناد الأرض".

و لم يكن الرد الذى ألقاه اسد الدين على ابن أخيه سوى تعبير عن وضوح رؤيته لما يهدف اليه على المدى القريب فى دنيته و على المدى البعيد فى أخرته.

"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين"[5]

عند عودتهما الى الشام فى عام 562 هجرية، صار أسد الدين أميرا لحمص بينما عين صلاح الدين مديرا لأمن دمشق. و بعدها بعامين، أى فى عام 564 حدثت أزمة كبيرة بمصر حيث بدأ أمورى يطمع فى الإستئثار بمصر. و يرجع ذلك الى تعرفه على ثراء هذا البلد، لا سيما ان الصليبيين لم يأتوا الى الشرق الا طمعا فى ثرواته و ليس بدافع الدين كما كانوا يزعمون. و فى المرتين السابقتين، كان أمورى يدعى من قبل شاور أو الخليفة العاضد، و انما هذه المرة كان تحركه الى مصر بناءا على رغبته الشخصية فى جعلها الإمارة الصليبية الرابعة بعد أنطاكيا و طرابلس و بيت المقدس. و لما أحس شاور بذلك، أرسل يطلب النجدة من نور الدين رغم ما أبداه من غدر فى تعاهداته الثلاثة السابقة. و لكن نور الين بدأ بالرفض خوفا أن تكون هذه حيلة من شاور للقضاء على الجيش النورى. فما لبثت أن جاءت رسالة من الخليفة العاضد الى نور الدين محمود مؤداها "أن انقذ نساء مصر من أن تنتهك حرماتها". و كانت الرسالة مذيلة بدماء امرأة قتلت و شعر امرأة يخشى ان تنتهك.

فما كان من نور الدين محمود الا أن طلب من صلاح الدين أن يخرج من دمشق قاصدا حمص ليدعو عمه أسد الدين شيركوه. و لكن هذا الأخير كان قد تلقى الأخبار فالتقى مع صلاح الدين على أطراف دمشق، فعادا سويا. و عقد مجلس حرب اجتمع فيه القادة جميعا برئاسة نور الدين محمود و بحضور أسدالين شيركوه و نجم الدين ايوب و صلاح الدين الأيوبى. و طلب أسد الدين أن يكون صلاح الدين الذراع الأيمن له فى المعركة المنتظرة. وتحدث المفاجأة عندما يرفض صلاح الدين الذهاب الى مصر. و عندها دار حوار قصير بين المعنيين الثلاثة، نور الدين و أسد الدين و صلاح الدين، تبادلوا فيه الكلمات التالية:

"(أسد الدين ) : مولاى نور الدين، ترسم له!
(نور الدين) : لم لا تريد الذهاب الى مصر يا صلاح الدين؟
(صلاح الدين) : مولاى، لولا تحرجى منك ما قلت ذلك، و لكنى أحتاج الى فرس و عدة حرب.
(نور الدين) : الأمر ابسط من ذلك... درعى درعك، و سيفى سيفك، و فرسى فرسك".

بعد أن طلب أسد الدين من نور الدين محمود أن يصدر مرسوما رسميا بتكليف صلاح الدين بالذهاب الى مصر، قدم صلاح الدين عذرا ضعيفا مثل تلك الأعذار التى نقدمها أحيانا عند التأخر عن الصلاة أو عدم الإنتظام فيها. و فى الواقع فان الإنسان منا يتردد فى الإقدام على نداء الدين فى الفترة التى تسبق تسليم أمره كله لله عز و جل. و قد اتخذ كل من والد و والدة صلاح الدين موقفا حاسما ازاء تردد ابنهما فى الخروج للجهاد الى مصر و قالا له: "يا صلاح الدين، ان الحداث الكبار هى التى تصنع الأحداث العظام، وان المحن الشديدة هى التى تشحذ الهمم العظيمة. و الله ما ربيناك لدنيا، انما ربيناك للشهادة". و بعد صلاة الفجر، دخل نجم الين أيوب على ابنه فى حجرته و قال له:" يا يوسف، اختر ما شئت و لكن فى الصباح تحمل سيفك و تحمل درعك و تترجل على فرسك و تسير مع عمك فلا أشاهدك بعد اليوم فى دمشق". و بناءا عليه، لم يجد صلاح الدين بدا الا أن ينطلق مع أسد الدين ليدخلا مصر سويا.

و لا أحسن من أن نختم هذا الفصل بدعوة الى أن يحدد كل منا هدفه فى الحياة، فلا يجوز للمسلم ان يعيش سنى عمره بلا هدف. فليكتب كل منا اذن أولويات أهدافه و يحولها الى مشاريع تتكون من خطوات يتعين تنفيذها. و على سبيل المثال، كلنا يريد دخول الجنة، فليحدد كل فرد فينا الخطوات التى سوف ينفذها حتى يجرؤ على طلب الجنة من الله سبحانه و تعالى. و هذا هو ما كان أسد الدين شيركوه يفعله، اذ كانت مهمته فى الحياة فتح مصر. و بالفعل، ما أن تفتح مصر الا أن يموت أسد الدين شيركوه و يتسلم صلاح الدين الراية من بعده.


[1]]الأنعام، 6 : 153[.

[2]]محمد، 47 : 7[.

[3]]التوبة، 9 : 105[.

[4] ]الأحزاب، 33 : 11[.

[5]]ال عمران، 3 :142[.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 10
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى :: «»«»«»«»المنتدى الاسلامي «»«»«»«» :: شخصيات اسلامية عظيمة-
انتقل الى: