سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 11 الخميس أغسطس 14, 2008 6:15 pm | |
| الفصل الحادى عشر الوزارةللإصلاح خطة و خطوات
لا شك أن الضرورة تحتم على كل منا وجود رؤية واضحة يضعها نصب عينيه للدور الذى يود أن يقوم به و الأهداف التى يرغب فى تحقيقها من خلال حياته. و حتى يمكن انجاز أى مشروع من المشروعات، لا بد من اتخاذ خطوات فعالة تتم فى توقيتات معينة وفقا لتخطيط يضعنا على بداية سكة الإصلاح سواء كان فيما يخص علاقتنا بالله تبارك و تعالى، او على المستوى المادى الملموس. و بناءا عليه، يجدر بنا أن نبدا فى تدارس أى مشروع معطل، و ذلك بهدف وضع خطة نستطيع من خلالها الوصول الى الأهداف المنشودة.
"و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم"[1]
عند اتضاح نية أمورى فى احتلال مصر احتلالا كاملا، أرسل الخليفة الفاطمى العاضد الى نور الدين محمود يستنجد به، فأرسل السلطان النورى الى مصر جيشا بقيادة أسد الدين شيركوه و مساعده صلاح الدين الأيوبى. و لكن عندما وصلت الى أمورى الأخبار التى تفيد بأن الجيش المسلم على مشارف مصر، أمر الأمير الصليبى بسحب كافة القوات دون انتظار لقتال، و تركت مصر بأيدى أسد الدين شيركوه و ابن أخيه صلاح الدين الأيوبى. سبحان الله تعالى الذى يقدر الأمور و ييسر لها الأسباب فيتحقق مايريده رب العالمين. و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم اذ قال: "يعجب الله من أقوام يساقون الى الجنة بالسلاسل". و لعل هذا الحديث و غيره ينطبقون على صلاح الدين الأيوبى الذى رفض فى بداية الأمر أن يعود الى مصر.
"افعل ما شئت، كما تدين تدان"[2]
فى ذلك الوقت، كان شاور لازال وزيرا لمصر بعد كل الأفعال التى تتنافى مع الإخلاص للأمة و الوطن ، و ذلك لإن الخليفة الفاطمى العاضد لم يكن بالقوة التى تمكنه من عزل شاور. و بالتالى كان الحاكم الفعلى لمصر فى ذلك الوقت هو من كان وزيرا لها. و كالعادة، جنح شاور الى الخيانة حيث أخذ فى تدبير مؤامرة لقتل أسد الدين شيركوه و الأمراء النوريين أثناء تواجدهم بحفلة يدعوهم اليها فى قليوب. سبحان الله، فى تلك الأثناء، وصلت أخبار المؤامرة التى كان يعدها شاور الى ابنه الكامل الذى كان رافضا تماما لأفعال والده، فأصر أن يواجه شاور فدار بينهما ما يلى:
"( الكامل) : والله لأخبرن أسد الدين شيركوه. (شاور) : ان أسد الدين سيقتلنا جميعا. (الكامل) : حقيقة، ان يقتلنا أسد الدين شيركوه فقد قتلنا بأيد اسلامية ، و تظل أرض الإسلام تحت امرة المسلمين. و لكنا لن نترك البلاد للصليبيين ، فوالله مامنعهم من دخول مصر الا مقدم أسد الدين. والله ما أساعدك على تسليم مصر للصليبيين".
و نظرا لما دار بينه و بين ابنه من حديث، تراجع شاور عن تنفيذ مؤامرته. و فى الواقع، فان تلك الشخصية سينظر لها التاريخ كأسوأ ما يكون حيث أن صاحبها تنكر لنعم الله عز و جل عليه اذ وضعه فى منصب من الممكن اسخدامه فى طاعة الله تبارك و تعالى و خدمة دينه الحنيف الإسلام. و لكن تلك النوعية من الشخصيات تعبث فى دنياها و لا تعمل لاخرتها. و فى نهاية المطاف صدر قرار من العاضد بقتل شاور لخيانته العظمى حيث أن شاور كان قد استنجد بأمورى من جديد و وعده بتسليمهم مصر على أن يكون وزيرا للصلبيين. و لذا لم يكن هناك بد من اعدامه فلقى جزائه العادل فى مقابل ما أقدم عليه من افعال ذميمة.
"و ما خلقت الجن و الإنس الا ليعبدون"[3]
فى تلك اللحظة، لم يكن أمام الخليفة العاضد الا أن يختار أسد الدين شيركوه وزيرا للبلاد حيث أنه هو الذى أنقذ مصر من الصليبيين. سبحان الله العلى العظيم! لم يبق شيركوه فى منصبه سوى أيام قليلة مات بعدها. و من هنا نأخذ العبرة التى خلق من أجلها البشر، ألا و هى عبادة الله عز و جل! و لذلك، ينبغى على الفرد فينا أن يتفهم للدور المطلوب منه ليؤدى تلك العبادة حقها، وأن يحدد أهدافه الشخصية التى يسعده أن يحققها. وكذلك كان الحال بالنسبة لأسد الدين شيركوه الذى أحب مصر و أراد أن يتخذ منها جندا يعينوه على فتح بيت المقدس. اذن، فقد أدرك ذلك الرجل أن فتح مصر و اعادة قيادتها الى السلوك القويم كان هو الدور المطلوب منه القيام به فى الحياة من خلال عبادته لبارئه. و بما أن الأمر كله بيد الله سبحانه و تعالى، فلا عجب اذن أن يجوب أسد الدين شيركوه البلاد من أقصاها الى اقصاها حتى يتحقق ما قدره الله أن يتم على يديه. فقد انتقل أسد الدين من بغداد الى الموصل ثم الى بعلبك، و من بعدها الى دمشق وحلب و حمص، ثم يعود الى دمشق، حتى ينتهى به المطاف فى القاهرة ليموت بها بعد أن فتحها ليسلم الراية بعد ذلك لأمير جديد فى مصر. كانت تلك دورة حياة أسد الدين شيركوه التى انتهت بعد أن أداها و هو مدرك لدوره فيها وضرورة القيام به. فهل يعرف كل منا دوره فى الحياة أم أن مازال يبحث عنه؟
"و كل انسان ألزمناه طائره فى عنقه"[4]
ما ان مات أسد الدين شيركوه حتى أصبح من الضرورى تعيين وزيرا جديد لمصر. و بدأ تقييم الأمراء النوريين لإختيار أحدهم وزيرا. و بعد ثلاثة أيام تم تعيين صلاح الدين وزيرا لمصر. و كان ذلك التعيين محل تساؤلات من الأمراء الاخرين اذ أن صلاح الدين لم يكن تعدى الثانية و الثلاثون من عمره بعد، و خاصة أنه كان هناك من يكبره سنا و يفوقه خبرة مثل عين الدولة اليروقى ، و قطب الدين ينال، و شهاب الدين الحريمى خال صلاح الدين الأيوبى، و شرف الدين برغش الذى أصبح ذو مكانة بعد موقعة "البابين". اذن، فيبدو أن اختيار صلاح الدين للوزارة من بين كل هؤلاء أصحاب الخبرة جاء بناءا على ترتيب معين. وفى الواقع فقد أراد الله تعالى أن يكون لكل من عيسى الهيكارى و بهاء الدين قراقوش دوره المؤثر فى تولية صلاح الدين منصب الوزارة. فاما عيسى الهيكارى، فكان أقرب أصدقاء أسد الدين شيركوه. و أما بهاء الدين قراقوش، فينبغى التوقف عند اسمه لتصحيح ما أشيع عن هذا الرجل من ظلم أو قهر، فلقد كان بهاء الدين بعيدا كل البعد عن صفات الحكم الجبرى أو القصرى. و قد بادر كل من عيسى و بهاء الين بالتفاوض مع الأمراء من أجل تعيين صلاح الدين أميرا على مصر اذ أنهما رأيا أنه كان الأصلح على الإطلاق لتولى وزارة مصر فى ذلك الوقت. و كانوا قد بدأوا بعرض الفكرة على صلاح الدين نفسه الذى أبدى رفضا مبدأيا نظرا لطبيعة التعفف التى كان قد نشأ عليها، فلم يكن ليهرول وراء سلطة أو وزارة أو مكانة. و يذكرنا هذا الموقف بسعيد بن عاصم أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و الذى عينه عمر بن الخطاب رضى الله عنه أميرا على حمص بالشام، فاذا به يقول لأمير المؤمنين: "لا تفتننى فى دينى يا عم!". و لقد رهب سعيد الموقف لما يلقيه عليه ذلك التكليف من مسئولية عن الرعية جميعهم من رجال و نساء و أطفال و شيوخ. و كان هذا تماما هو ما شعر به صلاح الدين الأيوبى عندما عرض عليه أمر توليته وزارة مصر، فالمسئولية كبيرة و ينبغى لمن يقبلها أن يرتفع الى مستواها. و ما أشبه و أقرب ما كان مطلوبا من سعيد بن عاصم و صلاح الدين الأيوبى بما هو مطلوب من كل منا عند تناوله لعرض هذا الكتاب من مهام من شأنها اصلاح أحوال الرعية و الأمة. فكل مهمة ذكرت على مدار فصولنا هذه، انما هى نتاج ما سيق من ايات القران الكريم، و الأحاديث النبوية الشريفة، و روايات الصحابة و التابعين و السلف الصالح. اذن فالمسئولية كبيرة و سيسأل عنها كل منا يوم القيامة. فالمقابل المؤثر لقراءة هذه الفصول يكمن فى التطبيق العملى لما ورد بها من قيم و مثل اسلامية. و بما أن من علم ليس كمن لم يعلم، فالمطلوب أيضا اعلام الاخرين الذين لم يقرأوا هذا الكتاب بما ينبغى على كل مسلم القيام به من اصلاح للذات حتى تستقيم احوال أمة النبى محمد صلى الله عليه و سلم.
الذين لم تغرهم الدنيا
لقد استطاع عيسى الهيكارى أن يقنع معظم الأمراء النوريين بضرورة تزكية صلاح الدين لمنصب الوزارة. و فى نفس الوقت، راى الخليفة العاضد فى صلاح الدين شابا يسهل التأثير على تفكيره، و لا ينبهر بنفوذ الوزارة فيفسد كما فسد الوزراء السابقون من أمثال ضرغام و طلائع و شاور. و عليه، قبل الخليفة العاضد تعيين صلاح الدين وزيرا أولا لمصر ليصبح اسمه "المظفر صلاح الدين الأيوبى".
بالقطع، هذا التعيين لم يلق قبولا لدى من كانت قلوبهم طامعة فى المنصب الالذى تولاه صلاح الدين، غير عابئين بمصلحة الأمة، و انما مكتفين بالتفكير الأنانى الذى لا يحكمه سوى حب الذات أيا كانت الصفات و العلات. و لذا رفض عين الدولة اليروقى و قطب الدين ينال تعيين صلاح الديم وزيرا، و انسحبا الى الشام عائدين الى نور الدين محمود. و كان الخامس و العشرون من جمادى الاخر سنة خمسمائة و أربع و ستون هو اليوم الذى شهد تولى صلاح الدين وزارة مصر مقلدا من قبل الخليفة العاضد فى احتفال أسطورى رغم ما كان يعانيه الرعية من فقر شديد. و قد أراد الخليفة العاضد اظهار واجهة الخلافة بمظاهر الأبهة و الزينة الدنوية، و يروى ابن الأثير عن الجواد المرصع بالجواهر الذى أهداه العاضد لصلاح الدين الأيوبى فى تلك الليلة. و قد وصل ثمن تلك الجواهر التى زينت بها رأس و أرجل و سرج ذلك الجواد الى مبلغ ألف ألف (مليون) دينار ذهبية. و كان كل ذلك البذخ يحدث فى الوقت الذى لا يجد فيه الرعية قوت يومهم! و أين تلك الحال من مقولة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه :"بئس الحاكم أنا ان شبعت و رعاياي جياع". و كان الخليفة عمر ابن الخطاب قد ضرب المثل فى عام المجاعة اذ كان يأكل كأقل فرد من الأمة. و هكذا لم يكن منصبه كحاكم يحول بينه و بين تقوى الله عز و جل. و اتباعا لنفس النهج، ما كان من صلاح الدين الأيوبى الا أن وزع ثمن الجواهر كلها على شعب مصر بمناسبة تعيينه وزيرا عليهم.
أخلاقيات السلطة فى الإسلام
و لم يلبث صلاح الدين أن تولى الوزارة حتى شرع فى احداث تغييرات جذرية يعيد بها الأمور الى الشرعية. و ماكان ذلك الا ايذانا باعتراف داخلي يلزم به نفسه قبل الغير على الإرتقاء فى التعامل مع الأمور كلها بصفة عامة و بشأن علاقته بالله جل علاه بصفة أولى. و بناءا عليه، بدأ باحاطة نفسه بكوكبة من العلماء ليعينوه على المسئولية الجديدة. و بالتالى، اصبح عيسى الهيكارى الذراع الأيمن لصلاح الدين الأيوبى، كما صار من بهاء الدين قراقوش من المقربين له أيضا و لا سيما أنه المهندس المنفذ لقلعة صلاح الدين و سور مجرى العيون الذى كان يصل ماء النيل حتى القلعة. و كذلك أدخل صلاح الدين تعديلا على نوعية الأنشطة التى يمارسها بصفة رئيسية حيث أصبح تنظيم وقته خاضع للمسئولية التى اختصه بها الله سبحانه و تعالى بها. و جانب اخر دخل تحت حيز التغير للأفضل هو ازدياد تصدقه على المحتاجين و الفقراء حتى أصبح عطاؤه فى هذا المجال يشابه عطاء جمال الدين الأصفهانى، اذ أصبح بيت المال مفتوح الأبواب لعامة الشعب، كما حرص على عدالة التوزيع حيث أصبح الفقير و الغنى يتساويان فى حقوق كثيرة منها المأكل و الماوى.
نجاح صلاح ... و حقد نجاح
و للأسف كان هناك من لايعجبهم طريق الإصلاح الذى يسير فيه صلاح الدين ومنهم شخص يدعى مؤتمن الخلافة نجاح. و مرة أخرى يكون الإسم على النقيض تماما من الصفة الفعلية لصاحبه. و كان هذا الشخص يتولى منصبا حساسا داخل القصر الفاطمى، فبدلا من أن يعمل بما سمى و لقب به، تفتا ذهنه أن يدعو أمورى أمير بيت المقدس للقدوم الى مصر و خلع صلاح الدين من الوزارة فى مقابل عطية تقدر بخمسمائة ألف دينار ذهبية. و لكن المولى عز و جل كشف المؤامرة لصلاح الدين. و نظرا لطبيعة عمل صلاح الدين السابقة كمدير لأمن دمشق، كان له من الأشخاص من يطلعونه على غرائب المستجدات بين الرعية و التى قد تكون محل أذى للأمة. و من هؤلاء من شاهد ذات مرة رجل بسيط المظهر يضع فى قدميه حذاءأ غالى الثمن، فاستوقف الرجل و كانت المفاجأة أن ذلك الحذاء كان كعبه يحتوى على رسالة موجهة الى أمورى يوعد من خلالها بأن يوضع تحت امرته ثلث ملك مصر بالإضافة الى خمسمائة ألف دينار ذهبية فى مقابل القضاء على صلاح الدين الأيوبى. و لكن صاحب الحذاء رفض تماما الإخبار بالشخص الذى كتب الرسالة. فبدأ رجال الأمن يبحثون بين كتاب الرسائل، و كان أمرا يسيرا ذظرا لقلة عدد الكتبة و تميز الخط المكتوب بالرسالة. و توصل رجال الأمن الى أن كاتب الرسالة يهودى، فاحضروه و اعترف أن مؤتمن الدولة نجاح هو من طلب منه كتابة الرسالة. و المفاجأة الكبرى فى تلك اللحظات أن يدعو صلاح الدين اليهودى الى الإسلام و أن تكلل هذه الدعوة بالنجاح فيعتنق اليهودى الإسلام، و يكون ذلك الموقف من صلاح الدين امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم اذ قال :"لإن يهدى الله بك رجلا خير مما طلعت عليه الشمس". و بالفعل، حسن اسلام هذا اليهودى و سافر الى مكة و ظل مجاورا للبيت الحرام حتى مات.
و ازاء ما أقدم عليه مؤتمن الخلافة نجاح من خيانة كان لابد من قتله. و لما كان مؤتمن الخلافة سودانى الأصل، فان اعدامه أغضب الجنود السودانيين الذين قاموا بثورة قوامها خمسين ألف فرد ضد صلاح الدين الأيوبى. و الغريب أنه فى نفس الوقت بدأ الخليفة العاضد يقلق من تزايد حب الرعية لصلاح الدين، فأخذ يختار ما بين الإبقاء على السودانيين و مساعدتهم على التخلص من صلاح الدين و بين الإبقاء على صلاح الدين و دعمه لإخماد ثورتهم. و يشاء السميع العليم أن تصل امدادات نور الدين محمود الى صلاح الدين فى صورة قوة عسكرية بقيادة أخيه طوران شاه ليتمكن صلاح الدين من القضاء على ثورة السودانيين تماما.
"و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين"[5]
سبحان الله، بذلك يكون صلاح الدين قد تصدى بفضل الله تعالى لوابل من المشاكل تمثلت فى الغدر المتكرر لشاور، ثم خيانة مؤتمن الدولة نجاح، واخيرا و ليس باخر، ثورة السودانيين. و تلك الإبتلاءات تبعتها ثورة الجنود الأرمل الذين شعروا أن صلاح الدين كان على وشك أن يأخذ منهم ممتلكاتهم ليعيد توزيعها. و على سبيل المثال، فمن كان يمتلك من هؤلاء الجنود الأرمل ثلاث قصور، أخذ منه صلاح الدين قصرين أودع ثمنهما بيت مال المسلمين. و نتيجة لذلك، أشعل هؤلاء الأرمل ثورة ضد صلاح الدين الذى استطاع اخمادها. و لكن ما لبث أن هب أيضا الإقطاعيون و أصحاب الثروات بالثورة على صلاح الدين و التى كان يتزعمها عمارة اليمنى. و للأسف، أقدم عمارة اليمنى على نفس الخيانة التى ارتكبها من قبله شاور ثم مؤتمن الخلافة نجاح، اذ أنه أرسل يطلب من أمورى المجئ الى مصر لتخليصها من صلاح الدين الأيوبى. و كم كانت الأوضاع مقلوبة اذ يستسيغ البعض الغدر بالأخ المسلم الذى جاء فى عون أخيه، بينما يفتح ذراعيه لعدو دينه و عدوه!
و امعانا فى محاولته للتخلص من صلاح الدين، بدا عمارة اليمنى يغريه بفتح النوبة. و بالتالى، أرسل صلاح الدين جزءا من الجيش الى النوبة على أن يلحق بهم. و لكن، فى نفس هذا الوقت وصلت الى صلاح الدين الأخبار أن أمورى على وشك أن يشن حملة صليبية جديدة على مصر بجيش قوامه ثلاثون ألف جنديا، بلإضافة الى مجئ كل من الأسطول البيزنطى و الأسطول الصقلى. و وجد صلاح الدين قواته موزعة على جبهتين، احداهما فى الجنوب عند النوبة، والأخرى فى مواجهة القوة الصليبية القادمة. و بفضل الله تعالى، تيقظ ضمير أحد المشتركين فى مؤامرة عمارة اليمنى، فاخبر صلاح الدين بما كان يحاك له من غدر. و استطاع صلاح الدين ان يقضى على عمارة اليمنى و الخطر الذى كان يمثله.
دمياط ...!
و لكن الحملة الصليبية كانت فى طريقها الى مصر. و أخذ صلاح الدين يتساءل عن الطريق التى سوف تسلكه تلك الحملة. فى المرة الأولى جاء امورى الى بلبيس، و فى الثانية الى الإسكندرية. و لذلك، اعتقد صلاح الدين أنهم لا بد قادمون من أحد هذين الطريقين المعروفين لهم. و بناءا عليه، شرع صلاح الدين فى تعلية أسوار الإسكندرية و تقوية سلاسل بلبيس. و لكن، سبحان الله، وصلت الحملة الصليبية الى دمياط. و كان ذلك بمثابة المفاجأة الغير سارة لصلاح الدين حيث أن معظم قوات الجيش كانت متواجدة فى الجنوب. و بدأ الشعب المصرى يدافع عن دمياط، بالإضافة الى أن سلسلة هذا الميناء حجزت سفن الأسطولين البيزنطى و الصقلى. و لكن الجيش البرى الاتى من الفرما و عسقلان توغل داخل دمياط. و بدأت المعركة فى حين كان صلاح الدين بالقاهرة و لا يستطيع تركها نظرا للإضطرابات التى كانت تواجهها، كما لا يستطيع أن يستدعى القوات المتواجدة بالجنوب التى كانت تواصل بنجاح مهمة فتح النوبة. و كانت هذه هى المرة الأولى التى يتصدى فيها صلاح الدين للصليبيين و هو القائد الأعلى للقوات و الوزير الأول لمصر، أى أن العاتق كله كان يقع عليه. و من جانبه، أسرع نور الدين محمود الى العقبة و عسكر فيها منتظرا الحصول على أخبار من دمياط. و قد بدت علامات التأثر الشديد و التجهم على وجه نور الدين نظرا للحصار الذى كانت تتعرض له دمياط بجيش عدده يصل الى ثلاثين ألف مقاتل، و الأسطول البيزنطى يوشك أن يدخل الميناء. و من الطبيعى أن يكون هذا هو شعور المسلم تجاه ما يتعرض له المسلمون من خطر فى أى مكان.
"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله"[6]
لقد تصدى صلاح الدين الأيوبى فى تلك الفترة لأوجه عديدة من الضلال و الضياع. و لكن الأمر الذى يدعو للتفاؤل هو أن المجتمع نفسه كان راغبا فى التخلص من السلبيات بكافة أشكالها. و لذلك، فالمطلوب من كل فرد أن يسعى لمحاربة أى صورة من صور الفساد أو التقصير المنتشرة فى أوجه الحياة العامة. فلنتخذ من صلاح الدين الأيوبى مثالا للإيجابية و التفاعل الحسن مع السلبيات، اذ أنه لم يهرب الى الشام تاركا وراءه كل هموم الشعب المصرى، و انما تصدى لها بكل حسم حتى نصره الله نصرا مبينا.
[1]]البقرة، 2 : 216[.
[2] حديث نبوى شريف.
[3]]الذاريات، 51 : 56[.
[4]]الإسراء، 17 :13[.
[5]]البقرة، 2 : 251[.
[6]]ال عمران، 3 : 110 [.[/b] | |
|