سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 13 الخميس أغسطس 14, 2008 6:13 pm | |
| الفصل الثالث عشرالولاء"منهم الصالحون و منهم دون ذلك"[1]ان أى حدث تارخى تم ذكره انما يزداد أهمية للعبرة التى تصحبه، ولذلك فالفائدة الحقيقية من القراءة تتحقق بالتنفيذ العملى لما ورد بهذا الكتاب من مهام و توصيات. و ان كنا معنيين بالصحبة الصالحة فذلك يرجع الى ضرورة تواجدها فى حياة كل مسلم حتى يقضى كل وقته فى الخير. و لعل كل منا قد راجع قائمة المحيطين به و ابتعد عمن يمكن ان يعوقه عن تحقيق أهدافه من عيشة هنية و ميتة سوية و مردا غير مخز و لا فاضح، كما حدث لصلاح الدين فى الفترة التى صار فجرا للأمة!
الوحدة طريق الإرتقاء
بعد وفاة الخليفة الفاطمى العاضد تولى صلاح الين الأيوبى امارة مصر منتدبا من قبل نور الدين محمود و معلنا و لائه له. و قد تبع ذلك اعلان نور الدين محمود سلطانا على الشام و مصر تحت امرة الخليفة العباسى المستضئ بالله. و رغم عدم جدوى وجود خليفة ضعيف يسمح بان تغتصب أراضيه و يتجرأ عليه كل من تسوله نفسه، الا أن نور الدين محمود و صلاح الدين الأيوبى تمسكا بالخلافة العباسية رغبة فى التئام الأمة تحت قيادة واحدة، و هو ما يدل على قيمة الوحدة و أهميتها للأمة.
هكذا الدنيا، مابين سراء و ضراء
أخذ صلاح الدين الأيوبى يتحرك عسكريا وفقا لسياسة نور الدين محمود الذى كان يرى ضرورة التوجه ناحية الجبهة الشرقية لمصر. و قد حاصر صلاح الدين حصنى الكرك والشوبك، وكانا من أقوى الحصون لإعتلائهما قمتى جبلين. و بالتالى فان اقتلاع هذين الحصنين من أيدى الصليبيين كان يتطلب وقتا طويلا و مجهودا شاقا. و بالإضافة الى ذلك، تمكن صلاح الدين من أن يسقط ميناء ايلة ذو الموقع المهم بالقرب من العقبة. و كنتيجة لهذه الجهود، توطدت العلاقة بين صلاح الدين و نور الدين، كما كان ذلك يعنى أمانا كبيرا للحجيج اذ أتيح لهم التحرك فى ظل حماية دائمة من صلاح الدين و دونما أن تمتد اليهم أيدى الصليبيين بالأذى كما كان يحدث من قبل عند تعرضهم للحجيج و التجارة و النساء. و فى الواقع، فان سقوط أيلة كان بمثابة الإنذار للصليبيين بقدوم المارد صلاح الدين الأيوبى!
و لكن أثناء فتح أيلة توفى نجم الدين أيوب والد صلاح الدين فى عام خمسمائة تسع و ستين هجرية. و بعدها بفترة وصلت الى صلاح الدين أخبار وفاة أخيه الأكبر طوران شاه باليمن. و كان قد سبق ذلك وفاة كبار المحيطين بصلاح الدين مثل جمال الدين الأصفهانى ثم أسد الدين شيركوه.
غياب الراعى و تفرق الرعية
و أثناء تفكير صلاح الدين فى استغلال قدراته العسكرية المتنامية، توفى نور الدين محمود فى الحادى عشر من شوال لعام خمسمائة تسعة وستين هجرية. و عند علم صلاح الدين بتلك الوفاة، انفجر فى البكاء خاصة أنه لم يكن قد رأى نور الدين محمود منذ أكثر من سبع سنوات عندما ترك الشام و انطلق الى مصر. و قد زاد من وقع وفاة ذلك العبد الربانى والقائد الفذ أن ابنه اسماعيل كان مازال فى الحادية عشر من عمره و بالتالى لايستطيع أن يتولى مسئولية الحكم، مما أدى الى استئثار كل أمير من أمراء الشام بامارته واعلانه ولائه لنفسه، فعاد الأمر الى ما كان عليه أيام عماد الدين زنكى عندما جاهد و كافح لتوحيد إمارات حلب و حمص وحماة و دمشق و بعلبك و الموصل. و لم تبق غير حلب تحت امرة اسماعيل بن نور الدين محمود. أما بالنسبة لبقية المدن، فقد استأثر شمس الدين بن المقدم بدمشق، و عز الدين جرديك بحماة، وشمس الدين بن الداية بحلب بصفته وصيا على الصالح اسماعيل بن نور الدين محمود، و سيف الدين غازى بالجزيرة و الموصل و كان ابن عم الصالح اسماعيل. و هكذا انفرط العقد فجاة و عادت الشام مقسمة!
ولاء المخلص
و قد انتابت صلاح الدين الأيوبى الحسرة لذلك التفكك، وظل وحده معترفا بالصالح اسماعيل أميرا للشام و مصر. و هنا يتضح مدى ولاء صلاح الدين لنور الدين محمود حتى بعد وفاته حتى أن خطبة الجمعة الأولى التالية لوفاته شهدت الدعاء للصالح اسماعيل، كما ضرب اسمه على العملات. و بهذا يكون صلاح الدين قد برهن على رغم وضعه القوى كأمير لكل من مصر، و ليبيا، و جزء كبير من تونس، و النوبة، و جزء كبير من السودان، و اليمن. و ذلك بالإضافة الى قوته العسكرية من عدد و عدة و التى كانت تؤهله أن يكون الأقوى بين الأمراء. و لكن الولاء بالنسبة لصلاح الدين لم يكن للأقوى، و انما الولاء للأميرالموجود وفقا لحديث الرسول صلى الله عليه و سلم الذى يتحدث فيه عن الطاعة و الولاء لأى أمير قائلا: "و ان ولى عليكم عبدا حبشيا رأسه زبيبة". اذن فالولاء للأمير ليس مرتبطا بشكله، أو بالإتفاق معه فى وجهات النظر، أو بامكانياته. و كان الصالح اسماعيل هو الخليفة الشرعى لأبيه نور الدين محمود، فلم يكن هناك داعى للتفرقة ما بين الإمارات.
تلبية النداء
و كان من الطبيعى فى ظل هذه الفرقة أن يلجأ اهل الشام الى استدعاء صلاح الدين الأيوبى الإبن البار لنور الدين محمود بهدف مساعدة الصالح اسماعيل على لم الشمل من جديد. و لذلك، أصبح لزاما على صلاح الدين أن يتحرك خاصة و أن الصليبيون استغلوا وفاة نور الدين محمود و شنوا غارات على بنياس و حارم و جعبر و غيرها من المناطق الشمالية. وعندها، بدأ صلاح الدين فى اعداد جيش قوامه عشرة الاف مقاتل ليزحف على الشام محاولا اعادة توحيد اماراتها تحت امرة الصالح اسماعيل.
و فى بداية مسيرته، وصل صلاح الدين الأيوبى الى دمشق و استطاع أن يقنع شمس الدين بن المقدم بضرورة أن يكون الولاء للصالح اسماعيل. و انضم شمس الدين بن المقدم لجيش صلاح الدين فى حين تم تعيين سيف الإسلام اسماعيل بن طغتكين أميرا على دمشق. أما بالنسبة لحلب، فكانت الأمور أكثر تعقيدا. المفروض أن هذه الإمارة تقع تحت امرة شمس الدين بن الداية بوصفه وصيا على الصالح اسماعيل، ولكن تمكن سعد الدين كمشتكين من حبس شمس الدين بن الداية و فرض نفسه وصيا بالقهر على الصالح اسماعيل. و للأسف، فما برح سعد الدين أن علم بوصول صلاح الدين الى الشام حتى أسرع بالتفاوض مع ريموند و بوهيموندو الأميرين الصليبيين فى أنطاكيا و طرابلس، و اتفق معهم على الدفاع المشترك ضد صلاح الدين الأيوبى. و قد طلب الصليبيون فى تلك اللحظة الإفراج عن أرناط، ذلك السفاح الذى سفك دماء أعدادا كبيرة من المسلمين أثناء اغارته على القوافل التجارية، حتى أن قوافل الحجيد لم تسلم منه. و رغم كون سعد الدين كمشتكين مسلما ، الا أنه تنكر لتعاليم دينه و أفرج عن السفاح أرناط صاحب الأيدى المغمورة بدماء المسلمين، و ذلك فى مقابل أن يعاونه الصليبيون على القضاء على صلاح الدين الأيوبى. و فى الحقيقة، لا يخلو التاريخ من شخصيات مثل سعد الدين كمشتكين التى تصيب الإنسان بالغثيان عندما يتعرف على أفعالها. فهل اتفق سعد الين مع الصليبيين و أطلق سراح السفاح أرناط من أجل الإسلام؟ أم من أجل نفسه الأمارة بالسوء؟ و الأسوأ من ذلك، أنه اتفق أيضا مع سعد الدين غازى، ابن عم الصالح اسماعيل، على محاربة صلاح الدين. و أيا ما كانت الأسباب التى دعتهما للخروج عن الجماعة، فهل يجوز أن تصل بهما الأمور الى الإقدام على ما فعلاه فى حق الأمة؟
و فى المقابل، فعندما سئل صلاح الدين من قبل بعض المشقيين عن سبب مجيئه بعشرة الاف جندى من مصر، أجاب: "و الله ما حضرت هاهنا الا لجمع كلمة الإسلام و تهذيب الأمور. فانما أبغى دفع الأذى عن ابن نور الين محمود و احاطة الرعية بضرورة الوحدة و سد الثغرات فى أوجه الصليبيين لحماية أرض الإسلام من شرورهم".
"و أن الله لا يهدى كيد الخائنين"[2]
بعد استقرار الأمور فى دمشق، زحف صلاح الدين شمالا الى حماة الواقعة تحت امرة عز الدين جرديك. و للحق، فما أن وصل صلاح الدين الى حماة الا أن سلمه عز الدين الإمارة، فأبقى عليه صلاح الدين بعد أن اطمأن لولائه. و بعد فترة قصيرة، قام صلاح الدين بارسال عز الدين جرديك الى سعد الدين كمشتكين فى حلب للتفاوض معه. ولكن سعد الدين أبى الا أن يعبر عن حقارته، فأسر عزالدين و وضعه فى السجن كما كان قد فعل من قبل مع شمس الدين بن الداية. و بدى لصلاح الدين أن الأمر لن يحسم الا بمعركة حربية بينه و بين سعد الدين كمشتكين و سيف الدين غازى لتخليص الصالح اسماعيل بن نور الدين محمود.
و وقف صلاح الدين بجيشه على أسوار حلب و هى من أقدم المدن تاريخا، فهى أقدم من القاهرة و دمشق، و بالتالى كانت محصنة تحصين جيد. واثناء حصار صلاح الدين لها، دارت المفاوضات فى خيمة صلاح الدين بينه و بين المبعوثين من قبل سعد الدين كمشتكين و سيف الدين غازى. و قد أبدى صلاح الدين اصراره على الإبقاء على حياة ومصالح الصالح اسماعيل، و لكن سوء الظن كان يستأثر بمفاوضيه. و أراد صلاح الدين أن يبرهن على حسن نواياه فقبل أن يترك لهم حمص و حماة و أية مدينة شامية فيما عدا دمشق ليحكمها بالنيابة عن الصالح اسماعيل الذى يتولى رسميا أيضا مصر و ما فيها من أملاك. و بالرغم من كل تلك التنازلات الا أن سعد الدين كمشتكين و سيف الدين غازى رفضا كل ذلك و شرعا فى الإستعداد لمقاتلة صلاح الدين الأيوبى. و كان كل منهما لا يعبأ الا بطمعه و جشعه، غيرعابئين بمصلحة الأمة.
و واجه صلاح الدين فى شهر رمضان المعظم جيشا تحارب فيه قوات كل من سعد الدين كمشتكين و سيف الدين غازى، جنبا الى جنب مع الصليبيين! و تقهقر صلاح الدين قليلا لإعادة حساباته و عسكر ليلة موقعة أراد فيها فتح حلب. و لكن كانت يد الخيانة تستعد لعمل شرير اخر بعد أن اغتالت من قبل بلك بن بهرام، أمير من بنى أرطق، و عماد الدين زنكى. و كانت الخيانة هذه المرة تتربص بصلاح الدين الأيوبى. لمصلحة من يا ترى كانت تعمل تلك اليد الغادرة؟ الإجابة تكمن فى ذهاب سعد الدين كمشتكين الى أمراء الطائفة الباطنية و هى من الطوائف الخارجة عن الدين و التقى بقائدهم راشد الدين سنان و طلب منه اغتيال صلاح الدين الأيوبى. و كان أعضاء هذه الطائفة يعتبرون بمثابة سفراء الموت حيث كانوا يقترفون الإغتيالات واحدا بعد الاخر. و بدت معالم المؤامرة تتضح ليلة موقعة حلب، فاذا بمجموعة من الدخلاء على جيش صلاح الدين تنفذ داخل خيمته. و كان صلاح الدين نائما، و لكنه اسيقظ فى اللحظة المناسبة، و كاد أن يجرح جرحا شديدا فى رقبته يودى بحياته لولا أن تنبه أحد الجند للخائن فقتله. و قد تأثر صلاح الدين من ذلك الموقف اذ أنه ما أتى الى الشام الا ابتغاءا لتحقيق الوحدة و حماية ابن نور الدين محمود، و لم يكن يريد قتالا الا أن اضطره الخائنين لأمتهم الى ذلك. و فى تلك اللحظة من التاثر دارت الفكرة التالية فى ذهن صلاح الدين: "والله ما أنقذنى رب العالمين من الموت الا لأمر جعلنى الله تبارك و تعالى سببا لحدوثه".
و بدا صلاح الدين فى ضرب حلب، ولكن نظرا لمناعتها، لم يستطع القائد المسلم اختراقها، فتقهقر مبقيا على ما تحت يده من امارات حمص و حماة و دمشق و بصرى.
استجمام صلاح الدين!
و عاد صلاح الدين الأيوبى الى مصر بعد ثلاث سنوات من اخر مغادرة لها. و أراد صلاح الدين أن يأخذ قسطا من الراحة بعد التلاحمات العسكرية المتتالية التى واجهها، فذهب الى الإسكندرية. و لكن حتى الراحة بالنسبة لصلاح الدين كانت لا تخلو من العمل لصالح الأمة و الرعية اذ شرع فى تعلية أسوار المدينة، و ضاعف من عدد السلاسل بها و بمدينة دمياط، كما اهتم بعمارة الإسكندرية. و كان يحضر صلاح الدين مع أبنائه دروس الدين ثلاث مرات أسبوعيا. و قد بلغ وقتها عدد أبناء صلاح الدين سبعة عشر يكبرهم ابنه الأفضل. و كانت تلك الدروس تعقد أيام الخميس و الجمعة و السبت للإمام السلفى فى الإسكندرية. فهل كان صلاح الدين الأيوبى متفرغا لتوحيد الأمة و الجهاد فى سبيل الله سبحانه و تعالى؟ أم أنه كان معنيا بحضور دروس الدين؟ فى الواقع، ان حضور صلاح الدين للدروس مع أولاده هو أمر ضرورى للأبناء حتى يشعرون باحاطة الأب لهم، ابتغاءا لمرضاة الله العلى القدير و تكاملا لأفراد الأسرة الواحدة. و لذا، فعلى كل أب، مهما كانت مشغولياته و مسئولياته أن يفرغ وقتا يقضيه مع أسرته لتذكيرهم بالله جل علاه، و ليس لمجرد الإجتماع على المأكل و المشرب فقط. فما أطيب أن تجتمع الأسرة لذكر ايات قرانية و أحاديث نبوية و تدارسها، و تدبر مواقف الصحابة الكرام رضى الله عنهم و رضوا عنه! و بالتالى يزداد الإيمان عند جميع أفراد الأسرة و يجازيهم الله على جلستهم فى ذكره فى الحياة الدنيا بتجمعهم فى جلسات النعيم الأبدى بالجنة.
الدرس
بلغت الأخبار الى صلاح الدين أن الصليبيون عادوا للإغارة على بنياس، فكان ذلك استنفارا لشهامته و رجولته و استعد للعودة الى الشام لمواجهة المعتدين، على رأس جيش قوامه عشرين ألف مقاتل. و تحرك صلاح الدين سريعا بالقرب من بيت المقدس ليتجه نحو منطقة الرملة. و هناك حدث أمرا لم ينسه صلاح الدين بقية عمره، بل كان سببا فى تغيير منظومة تفكيره الى حد ما، اذ أنه خسر صلاح معركة أمام مجموعة بسيطة من جند الصليبيين. و لتكن خسارة تلك المعركة أو "الدرس" الذى وعيه صلاح الدين الأيوبى موضوع الفصل القادم بما فيه من تفاصيل، و عبر، و علاقته بشخصية صلاح الدين، و أثره على الشعب، و تفاعل الشعب المصرى اثر تلك الهزيمة التى حدثت فى الرملة.
تضمن هذا الفصل أحداثا تاريخية عديدة تباينت فيها النيات ما بين مواقف و أحداث أراد لها صاحبها النية الحسنة و لكنها أخذت من قبيل اطراف أخرى على غيرما قصد منها، و بين أفعال كانت فيها النية السيئة مبيتة رغم ادعاء صاحبها بالإنتماء الى الإسلام. و لذا فالمطلوب من كل فرد أن يصحح نياته و أن يوجهها لصالح رفعة شأن الأمة. و مثالا على ذلك، ظل صلاح الدين يجاهد على مدار ثلاث سنوات لتحقيق الوحدة رغم ما أشاعه بعض المغرضين بأن تحركاته كانت تهدف الى الهيمنة و اتساع نطاق السلطة. و على كل منا أن يبدأ بتصحيح نيته مع الله جل و علا ، ثم فيما يخص علاقاتنا بالاخرين و معاملاتنا معهم. و لتسبق النية اى عمل أو قول من اعمالنا و أفعالنا حتى لا يخرج عنا الا الصواب الذى نبتغى به مرضاة الله سبحانه و تعالى.
[1]]الأعراف، 7 : 168[.
[2]]يوسف، 12 : 52[. | |
|