سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 14 الخميس أغسطس 14, 2008 6:12 pm | |
| الفصل الرابع عشرالسلطاناصلاح القلوب
بقدر ما يكون الإقبال على العمل مهما بقدر ما يصبح استحضار نية الخير قبل الإقدام عليه بنفس الأهمية، وذلك ضمانا لصلاحه. و عليه، فينبغى على كل منا التعود على استحضار النية الحسنة قبل الشروع فى أى عمل حتى لايضيع الهدف المرجو منه فى خضم تتابع الأعمال و تنوعها.
قسوة الدرس
ان الهزيمة التى لحقت بصلاح الدين فى موقعة الرملة تعد بمثابة الإنكسار المر الذى تحاشى القائد المسلم تجرعه مرة أخرى. و حتى يتجنب المرء اللدغ من نفس الجحر مرتين عليه بالتوقف عند موقف الفشل الذى واجهه و تدارسه بغرض تحصيل العبرة منه. و بالنسبة لمن يحاسب نفسه و يأخذ الأمور بموضوعية، لم يكن الفشل نهاية المطاف أو الحد الذى يدفعه لليأس. بل على العكس من ذلك، فان التعلم من أسباب الفشل و العمل على تلافيها يؤدى الى النجاح.
وصلت الأخبارالى صلاح الدين فى عام 572 هجرية بأن الصليبيين بدأوا يغيروا على بنياس و على دمشق و ماحولها فى الوقت الذى كان فيه طغتكين ابن .
هزم صلاح الدين و بدأت الأخبار تتناقل بأن صلاح الدين هزم فى الرملة. و بالطبع، فان تلك الهزيمة كان لها أسوأ الأثر فى نفوس أهل الشام حيث هبطت معنوياتهم لإن الأمل كان معقودا على صلاح الدين فى مواصلة الإنتصارات.
وعى الشعب المصرى
بعد التقهقر أمام الصليبيين، أخذ جيش صلاح الدين يلم فلوله فى طريق العودة الى مصر. و لكن صلاح الدين لم يعد. اختفى صلاح الدين فى ظروف غامضة و ظل الناس يبحثون عنه لمدة شهر بأكمله. و قد تاه صلاح الدين فى صحراء سيناء و لم يتم العثور عليه الا بعد أن أرشد عنه بعض عربان سيناء و كنتيجة للمحاولات الدؤبة التى أجراها القاضى الفاضل، أقرب أصدقاء صلاح الدين الى قلبه. و قد عثر على صلاح الدين و مجموعة من الجند و هم على مشارف الموت بسبب نفاذ المياه و الغذاء. و تمت نجدة هؤلاء التائهين فى الصحراء و عادوا الى مصر.
أما الشعب المصرى، فقد تجمع حول قصر صلاح الدين فى القاهرة و أخذ يقذف أفراد الجيش بالطوب و الطماطم من شدة تأثير الصدمة التى انتابته بعد كارثة "الرملة". و تعبيرا عن الغضب العميق الذى عم مختلف طبقات الشعب، جاءت مقولة أحد الشباب الى صلاح الدين: "أقبلت من الغنيمة بالإياب"، أى أنك لم تعد بغنائم، وانما عدت بنفسك، و ليتك قد استشهدت فى المعركة و لم نسمع أن صلاح الدين قد هزم. و لم يكن هذا التغير الذى طرأ بفكر الرعية مجرد لحظة حماس تملكت من شاب أخذته النخوة، و انما كان نتيجة جهد التربية الذى كان قد بذله صلاح الين و المعانى التى مان قد غرسها فى الشعب الذى كان من قبل ضحية لطمع و ابتزاز الوزراء، و لقمة سائغة أمام عبث الصليبيين بالبلاد. و لكن جاء التغير فى مدارك الشعب و مفاهيمه بحيث أصبح يشعر بمعانى الجهاد و الإنتصار المختلف.
الإنتصار على النفس قبل الإنتصار على الغير
فى هذه اللحظة الدقيقة من حياته، استشعر صلاح الدين الأيوبى ضرورة استيعاب الدرس لإنه لم يكن هناك أعذار اذ أن صلاح الدين كان قد غادر مصر غداة موقعة "الرملة" على رأس جيش قوامه عشرين ألف مقاتلا من خيرة الشباب. و لكن الذى أصاب جيش صلاح الدين هو الذى أصاب الصحابة يوم "أحد" فقال فيهم الله عز و جل:
"منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد الاخرة" ]ال عمران، 3 : 152[.
قبيل موقعة "أحد"، كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر فريق الرماة بان يبقوا أعلى الجبل و ألا يغادروا مواقعهم حتى و ان رأوا الرسول و الصحابة يتخطفون من الأرض تخطيفا. و لكن ما أن بدأت علامات النصر تبدو لهم حتى نزل أربعين منهم من الجبل ليجمعوا الغنائم. و رغم أن امر النبى صلى الله عليه و سلم كان بأذهانهم الا أن نفوسهم طغت عليهم و عصوا الأمر، فاذا بالمشركين ينقضون عليهم ليقتلوهم و يجرحون النبى عليه الصلاة و السلام. و لم يشفع للصحابة وجود الرسول بينهم، انما و قع عليهم جزاء معصيتهم. و كان التاريخ يعيد نفسه، فالهزيمة لا تأتى من الأعداء و انما من ضعف النفوس ذاتها. و فعلا، لم يكن جيش صلاح الدين قد أعد بعد الإعداد الحقيقى حتى يأتى الإنتصار على يديه. كان لا بد من اعادة القلوب الى وضعها التأهيلى من الإستعداد الحقيقى، و الصبر على الجيش حتى تنمى فيه المعانى الإيمانية. و حينئذ يأتى النصر، فتفتح بيت المقدس كما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة.
قيمة العالم و الأمة
كان من ضمن النتائج السلبية لهزيمة "الرملة" وقوع عيسى الهيكارى فى الأسر، و كان شيخا كبيرا و أستاذا من أساتذة علم الحديث، و فى نفس الوقت كان الصديق الحميم لأسد الدين شيركوه فى حياته. و لم يكن أسد الدين يصلى خلف أى شخص اخر غيره. و لما مات أسد الدين، أصبح عيسى الهيكارى معلم صلاح الدين و مرشده الأول. و لذلك، بدأ صلاح الدين يتفاوض مع بلدوين الرابع لفك أسر عيسى الهيكارى. و طلب ساعتها بلدوين مبلغ ألف ألف دينار ذهبية فدية لعيسى الهيكارى. و بالطبع كان مبلغا ضخما يكفى لإعداد أكثر من جيش. و لم يكن بيت مال المسلمين به ذلك المبلغ، فدفع صلاح الدين من ماله الخاص ما يكمل به هذا المبلغ. فما كانت اذن قيمة عيسى الهيكارى حتى يقبل صلاح الدين دفع هذا المبلغ الهائل؟ فى الحقيقة، كانت قيمة عيسى الهيكارى تكمن فى ارشاده الاخرين للخير، و تعرف قيمة الأمم بقدر تقديرها لعلمائها. اذن، فلننظر الى مشايخنا و خطبائنا فى وقتنا الحالى، و لنرى ان كانوا معززين مكرمين، ان كان مريضهم يتلقى العلاج المناسب بمصر أو خارجها، ان كانت تمتد اليهم يد المعونة. اذن، عندما يكون النصر بغيتنا لا بد من أن نراعى من يوجهونا الى فعل الخير و الى الصواب مثلما كان عيسى الهيكارى يفعل. و عندما أراد بعض المحيطين بصلاح الدين مؤاخذته على دفع ذلك المبلغ الضخم لتحرير عيسى الهيكارى من الأسر، رد قائلا: "و الله لو طلبوا عشر ألف ألف دينار لفك أسر عيسى الهيكارى لدفعتها عن يد و أنا راض، و عندما يسألنى رب العالمين أقول له مان يرشدنا الى الخير". و بالتالى فمن يرشد الى الخير لا بد و أن يوضع فى مكانة راقية من الإحترام و التقدير. و للأسف، فالحال معكوس عندنا حيث تنال التقدير شخصيات سطحية لا نفع حقيقى من ورائها.
قلعة الأحزان
بحلول عام 573 هجرية بدأت تظهر فى الأفق اثآر غياب صلاح الدين مما أثار حفيظة كل من بلدوين و همفرى و بوهيموندو و ريموند، الأمراء الرئيسيين للإمارات الصليبية، لإحتلال المزيد من الأراضى الإسلامية. و بالفعل، هاجم الصليبيون حارم و بنياس و أعمال دمشق و حمص. و هكذا، كان الغرب قد تعود على هزيمتنا نفسيا من خلال غرس الخشية فى قلوبنا من قوتهم العظمى التى لا أساس لها من الواقع. و مازال الغربيون يتبعون هذا الأسلوب حتى الآن اذ تركز أفلامهم السنيمائية على دورالبطل الخارق الذى لا يقهر. و بالطبع كل هذه المحاولات للإيحاء بقوتهم و ضعفنا ما هى الا أوهام بلا أصل. و هذا ما حدث بالنسبة للأقاويل المصاحبة لبناء "قلعة الأحزان". فما أن شرع الصليبيون فى بناء تلك القلعة حتى أشاعوا أنها أضخم قلعة فى التاريخ حيث يمتد عرض أسوارها الى عشرة أمتار، و أحجارها مماثلة لأحجار الأهرامات، و حشدت بها أكثر من مائة ألف قطعة عسكرية، و بها كم كبير من الثروات، و موقعها استراتيجى يمكن الإنطلاق منه الى مختلف الإتجاهات للإغارة على بلاد المسلمين. و بدأت الإشاعات المحبطة تصل الى صلاح الدين و مؤداها أن المسلمين لا قبل لهم بهدها. و لقد فكر صلاح الدين فى التفاوض معهم حتى لا يكملوا بناء "قلعة الأحزان" و لكن تقى الدين عمر بن طوران شاه قال بشأن تلك القلعة: "دعوهم يكملوا بناءها، و يرفعوا أسوارها، و ينشروا الأساطير عنها، و يملئوا الدنيا بأخبارها، حتى اذا ما أتموها على أكمل ما يظنون جاءهم الله بقوم يحسنون الظن بالله فيدكوها على رؤسهم و يقتلعوها من جذورها، وانا باذن الله و نصره لفاعلون". و تجدر الإشارة الى نوعية المحيطين بصلاح الدين اليوبى و أنه لم يحقق الإنتصارات بمفرده. اذن، فان بلوغ النصر على الأعداء لا يأتى الا عندما يكون هناك جيل كامل من القيادات التى تتمتع بنفس الفكر لتحرير الأراضى الإسلامية المغتصبة. و يواصل تقى الدين عمر تعليقه على "قلعة الأحزان" قائلا لصلاح الدين: "ادفع لنا الأموال التى ستدفعها الى بلدوين و نحصد لك هذه القلعة حصدا".
و هكذا يكون اليقين على الله تبارك وتعالى قد ترسخ فى قلوب المحيطين بصلاح الدين الأيوبى من أمثال تقى الدين عمر بن طوران شاه، و ناصر الدين بن أسد الدين شيركوه، و سيف الدين على بن أحمد المشطوب و أخيه العادل أبى بكر، و عز الدين فروج شاه، و مظفر الدين. و كان هؤلاء عبارة عن مجموعة مميزة من الجند و القيادات ذات الفكر الثابت، و البصيرة الصائبة، و الفكرة الواضحة. و كان لدى كل منهم التصور الصحيح للدور المطلوب منه فى الحياة من خلال عبادته لله عز و جل. كما كانوا يتعاونون على القيام بمهامهم و يأخذ كل منهم بأزر الآخرين.
الصحوة
و بناءا على كل ما سبق، كان لزاما على صلاح الدين أن يتحرك على طريق استنزاف مقدرات الإمارات الصليبية. و عزم القائد المسلم على العمل بكل قوة على وقف نزيف الدم المسلم بحيث لا يقتل مستقبلا طفل من أطفال المسلمين، و لا تنتهك حرمة امرأة مسلمة، و لا تقتلع شجرة من أرض مسلمة مهما كانت الأسباب.
و بدا صلاح الدين يحدد أماكن تواجد قواته داخل نطاق الشام. و بالفعل، وضع مجموعة من شباب القادة الموثوق فى قدرتهم من أمثال تقى الدين عمر الذى عينه فى حماة لصد أىة هجمة يقوم بها بوهيموندو الثالث، و ناصر الدين بن أسد الدين فى حمص لقمع الهجمات الصليبية الآتية من بيروت أو طرابلس، و سيف الدين على بن أحمد المشطوب فى سهل البقاع للمراقبة و الإخبار بأى هجمة صليبية فى مهدها. و فى نفس الوقت كان العادل أبو بكر أخو صلاح الدين يمده بالقوات من خلال تحركه من مصر الى الشام. و هكذا كانت تلك المجموعة أشبه بخلية من خلايا النحل التى يتحرك افرادها فى كل مكان. و توسعت الجبهة حتى لم يكن المسلمون يكتفون باشعال معركة واحدة فى نفس الوقت، بل حدث أن دارت ثلاث معارك فى يوم واحد و انتهت ثلاثتها بانتصار المسلمين. و بدأت صورة القوات الإسلامية تتغير بالفعل بعد أن استفادت من خطأها فى موقعة "الرملة". و أمرصلاح الدين بدك ميناء عكا بواسطة الأسطول المصرى و على رأسه حسام الدين لؤلؤ. و كان ذلك الميناء من الأهميى بمكان لدى الصليبيين لما يحويه من فرسان الدادية و الإسبتارية المشهورين بفرسان المعبد الذين كانوا يكنون للإسلام أقصى درجات الحقد، و كانوا صفوة الجند الصليبى.
و فى الواقع، فان كل تلك الهجمات و الإنتصارات التى حققها المسلمون كانت تعنى أن المارد المسلم قد استيقظ من سباته. و باذن الله سيأتى علينا قريبا اليوم الذى لا يرى فيه المسلم رصاصة تخترق قلب طفلة عمرها تسعة أشهر دون أن يرد الصاع صاعين. وسيأتى اليوم الذى لن يجرؤ فيه أى صهيونى أن يهد بآلياته بيوت المسلمين ليشرد المئات و الآلاف و المسلمون يكتفون بالتنديد و الشجب و الدعم القولى المفرغ من أى رد عملى. و سيأتى اليوم الذى لن تقتلع فيه أشجار الزيتون كما تقتلع الآن. و مثلما جاء الله تبارك و تعالى بالخير على أيدى صلاح الدين، سيأتى اليوم الذى تخرج فيه هذه الأمة لنا القائد الذى يأخذ بأيدينا لطريق النصر.
من كان يريد العزة فالعزة لله جميعا[1]
و فى الشام، أخذت الأحداث تتوالى حيث خضعت لصلاح الدين جميع امارات الشام فيما عدا حلب الذى يحكمها سعد الدين كمشتكين كوصى قهرى على الصالح اسماعيل، و الموصل التى تقع تحت امرة سيف الدين غازى. و كانت تتبع لصلاح الدين أيضا اليمن و مصر و النوبة و برقة و طرابلس و جزء من تونس. و كان صلاح الدين يرغب فى ضم حلب و الموصل حتى تصبح الجبهة الإسلامية كلها موحدة، ولكن كانت هناك اتفاقيات بين سعد الدين كمشتكين و سيف الدين غازى و بين الصليبيين فلم يلبوا نداء الوحدة و لكن صلاح الدين اتفق معهم على ألا يأتى أذى الصليبيين من ناحيتهم. و لم يكن صلاح الدين يترك فى تلك الفترة فرصة لموقعة ضد الصليبيين الا و خاضها. و كبر احساس العزة لدى المسلمين بفضل تأييد الله عز و جل لهم، و هو القائل فى كتابه الحكيم:
"ياأيها الذين امنوا ان تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم" ]محمد، 47 : 7[.
و أراد بوهيموندو اسغلال فرصة وجود صلاح الدين فى دمشق للإغارة على حماة و حارم، فقد وصلت الأخبار الى تقى الدين عمر بأن بوهيموندو خرج فى عشرين ألف مقاتل فى اتجاه هذين الموقعين الإسلاميين. وفورا قام تقى الدين بابلاغ الخبر بواسطة الحمام الزاجل الى صلاح الدين الذى أرسل اليه بأن يخرج لمباغتة جيش بوهيموندو و سحبه الى السهول حتى يصل اليه صلاح الدين بقواته من دمشق. وهكذا، كانت الرسالة واضحة فى عدم إلتحام تقى الدين و من معه فى قتال مباشر ضد الجيش الصليبى الى أن يستكمل الجيش المسلم عدده وعدته بوصول صلاح الدين على رأس القوات المصاحبة له. و كان جيش تقى الدين عمر يتألف من ثمنمائة مقاتل لا غير فى الوقت الذى واجه فيه جيش بوهيموندو ذو العشرين ألف مقاتل، أى أن النسبة العددية كانت 1 الى 25 لصالح الصليبيين. و لكن ابن الأثير يروى أن تقى الدين قال لنفسه: "ها قد حانت لحظة الشهادة، لن تجد أفضل منها يا عمر. لتلحق باعمامك و أخوالك و تلقاهم فى الفردوس الأعلى. يغفر الله لى معصيتى و عدم طاعتى لعمى صلاح الدين". و انطلق تقى الدين عمر يقاتل العشرين ألف بقيادة بوهيموندو و لينتصر عليهم فى حارم. و فى نهاية اليوم، و قبل أن يصل صلاح الدين الأيوبى الى أرض المعركة و صلته أخبار انتصار ابن أخيه على جيش بوهيموندو. فهل استطاع فعلا الثمنمائة مسلم الإنتصار على العشرين ألف صليبى؟ الإجابة على هذا السؤال توضح ان ذلك الإنتصار الفعلى الذى حدث انما كان مثالا لما وعد الله به عباده المخلصين اذ قال عز من قائل:
"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله" ]البقرة، 2 : 249[.
أما معركة "مرج العيون" فقد جرت بعد ذلك فى موقع قريب من حطين، و لذلك فظروف تلك الموقعة و موقعها الجغرافى جعلوا منها التمهيد الأخير قبل معركة حطين. و قد واجه صلاح الدين فى "مرج العيون" الأمراء الصليبيين همفرى و بلدوين و ريموند وانتصر عليهم. و فى تلك المعركة، قتل همفرى و أسر ريموند ثم فك صلاح الدين أسره فى نفس اليوم.
"ان الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"[2]
ثم فى عام 574 هجرية وقعت موقعة "تل القاضى" و هى التى أخذ فيها صلاح الديت على غرة، ولكن تقى الدين عمر لحق بعمه و استطاع أن يثبته.
و فى الواقع، فان كل تلك الإنتصارات جاءت تباعا كنتيجة للتغير الذى طرأ على الأمة. و لم يكن هذا التغير تغيرا فى الإمكانيات و لا المعطيات و انما كان فى سلوك الأفراد و تفكيرهم حيث عادوا لإتباع المنهج الإلهى فى التعامل مع الأمور. و كما أن الشعب المصرى يعج بالمشاكل و تحفه المخاطر من كل جهة حاليا، فتلك بالضبط كانت حاله قبل أن يتفاعل ايجابيا مع الإصلاحات التى أحدثها صلاح الدين الأيوبى. فكما تغير السلوك و تغيرت المفاهيم ساعتها فتحققت الإنتصارات و شعر المسلمون بالعزة، اذن فلا مناص أن نغير من أنفسنا حتى نفوز بما فاز به أجدادنا فى ذلك الوقت. و لابد أن يشمل هذا التغير العديد و العديد من أوجه أنشطتنا فى حياتنا اليومية. و على سبيل المثال، ينبغى أن تكون هناك عدالة فى التوزيع بحيث يتم استبعاد المنتفعين، و يشعر الأفراد بأنهم سواسية فى الحقوق و الواجبات. و ساعتها تخرج الأمة من أزماتها و تعود الى العطاء الذى يميزها بين سائر الأمم.
فاذكرونى أذكركم و اشكروا لى و لاتكفرون[3]
و فى الحقيقة، لم يأت صلاح الدين بجديد، و انما قام باهم أمر الا و هو اعادة ترتيب البيت من الداخل فصلحت الأمور و صلح الرعية و رضى الله تبارك و تعالى فحلت البركات و توالت الإنتصارت. و الدليل على ذلك أنه عندما حل المساء بعد الإنتصار فى موقعة "تل القاضى"، أخذ صلاح الدين يتفقد أحوال الجند و يوزع الغنائم، ثم شهدت تلك الليلة توجه و شكر نعمة مستمرين من صلاح الدين الى ربه و بارئه حيث صلى الفجر بوضوء العشاء. و ان دل ذلك على شيئ فيدل على أنه أمضى ليلته فى طاعة الله عز و جل رغم ما كان عليه من جهد يوم سابق و معركة مضنية. و لكن صلاح الدين كان يدرك تماما أن النصر ما جاء الا من عند الله العلى القدير فوجب عليه استشعار تلك النعمة و سائر النعم التى أغدق بها الله عليه منذ جعله فى قرار مكين.
و اذا كان صلاح الدين قد حرص على شكر الله على نعمته، فذلك لإن تلك العبادة كانت قد غرست فيه من الصغر و أصبحت عادة يداوم عليها و لايغفل عنها. و يقول الله عز و جل:
"وقليل من عبادى الشكور"]سبأ، 34 : 13[.
[1]]فاطر، 35 : 10[.
[2]]الرعد، 13 : 11[.
[3]]البقرة، 2 : 152[. | |
|