المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى

عــــنــــدمــــا يـــجــــتـــمـــع الـــخــــيـــال مـــع الــــواقـــع فـــي تــــفــــكـــيـــر حــــر
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 15

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سيف الحق
عضور مؤثر
عضور مؤثر



ذكر عدد الرسائل : 75
العمر : 33
العمل : طالب
المزاج : متفائل بالخير
تاريخ التسجيل : 20/07/2008

صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 15 Empty
مُساهمةموضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 15   صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 15 Icon_minitimeالخميس أغسطس 14, 2008 6:08 pm

الفصل الخامس عشر

رجل أحيا به الله أمة


الشكر العملى للنعمة

نحتاج دائما أن نستدل بالقول و العمل على شكرنا لله سبحانه و تعالى على النعم التى أنعم بها علينا. أما الشكربالقول فيكون من خلال الأذكار، فى حين يتجلى الشكر العملى فى صورة مناسك دينية مثل سجدة الشكر أو زيادة الطاعات، وأيضا من خلال الحفاظ على تلك النعم و عدم التفريط فيها و الإستشعار بقيمتها. و يمتد التنفيذ العملى للشكر الى كل نعمة نشعر بها فى حياتنا. و كلما زاد التفاعل من القراء مع الشكر العملى للنعمة و مع الخطوات السابقة و اللاحقة، المذكورة فى نهاية كل فصل من الفصول العشرين، كلما خطت الأمة خطوة على طريق النهضة و كلما اقترب الإنتصار المرتقب.

سطوع النجم

تمكن صلاح الدين من اشعال الجبهة الإسلامية فى الشام على الصليبيين. و أصبحت الضربات التى تلقاها الصليبيون من العنف حتى أنهم كانوا يحتارون أين تكون ضربته القادمة، هل يضرب صلاح الدين أنطاكيا فى الشمال؟ أم يزحف الى بيت المقدس فى الجنوب؟ أم يهجم على بنياس فى القلب؟ أم ياتى الى طرابلس أو بيروت من البحر أوالبر؟ لقد أشعل صلاح الدين بالفعل جبهة المواجهة مع الصليبيين حتى أن القارئ بدأ يتنفس الصعداء بعد الصدمات التى تلقاها اثر سقوط بيت المقدس، و اقامة الإمارات الصليبية الواحدة تلو الأخرى، و خيانة شاور، و عدم مقدرة الأمة على تحقيق الإنتصار. و تبدل الحال لتعود الإنتصارات و يزداد الإستشعار بتسخير الله عز و جل لصلاح الدين الأيوبى فى خوض كل تلك المعارك.

اليد العليا

شهد عام 576 هجرية طلب الصلبيين عقد معاهدة و هدنة مع صلاح الدين الأيوبى و بدأت المفاوضات بينه و بين بلدوين الرابع أمير بيت المقدس و ريموند أمير طرابلس. و الجدير بالذكر أن جلوس صلاح الدين على مائدة المفاوضات كان من منطلق القوة التى بدت للعدو قبل الصديق. و لذلك، لم يجد صلاح الدين غضاضة فى العمل بالآية الكريمة:

"وان جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله"]الأنفال، 8 : 61[.

و دائما ما يكون المفاوض المنتصر اقوى من الطرف الآخر المهزوم. و للأسف، فانا نغفل هذا الواقع فتجدنا نسير فى خطوات التفاوض مع الصهاينة و غيرهم من أعداء الإسلام و نحن الطرف الأضعف، و ذلك نتيجة لعدم استفادتنا من التاريخ عموما و من أخطائنا السابقة بصفة خاصة. و لم يحدث على مر التاريخ ان تفاوض طرفان الا و اضطر الضعيف منهم الى تقديم تنازلات من حقوقه. و لذلك رحب صلاح الدين بالمفاوضات التى يجريها طالما كانت له اليد العليا بفضل الله تعالى و توفيقه عز و جل له فى تحقيق انتصارات مسبقة على مرحلة التفاوض. فتم ذلك لصلاح الدين الذى تمكن من املاء شروطه على المفاوضين من الجانب الصليبى. و كان الشرط الأقوى الذى فرضه صلاح الدين على خصومه من خلال معاهدة عدم اعتداء مشترك لمدة أربع سنوات هو عدم امتداد أيدى المعاهدين من الصليبيين بالمساعدة لأمراء صليبيون اخرون يدخل صلاح الديم ضدهم فى نزاع عسكرى. و بهذا استطاع صلاح الدين ايقاع الفتنة بين الأمراء الصليبيين القادمين الى الشرق، بعضهم ضد البعض الآخر. و كان ذلك معناه على أرض الواقع أن يضرب صلاح الدين أنطاكيا وقتما شاء دون تدخل من أميرى بيت المقدس و طرابلس. و هكذا يكون صلاح الدين قد ضرب مثالا للمهارة السياسية التى يحتاج اليها الساسة المسلمون الحاليون. و تلك المهارة السياسية انما تبرز على أساس التفاوض باليد العليا، وليس بمبدأ مبادلة السلام باسترجاع ارض اسلامية فى الأصل! ...

حلب ... و السير على الأشواك

بقدر ما كان صلاح الدين الأيوبى راضيا عن فكرة التفاوض مع الصليبيين و هو فى موقف القوة، بقدر ما بات سعيدا بما اثمرت به تلك المفاوضات حتى يعود للتفرغ لما تبقى من شأن داخلى على طريق الوحدة الإسلامية المرجوة. و كانت امارتى حلب و الموصل تمثلان الشغل الشاغل لصلاح الدين لما تتمتعان به من قدرات عسكرية تضفى الى طاقته الحربية قدرا كبيرا من زيادة التفوق على الصليبيين.

فى ذلك الوقت، كان الصالح اسماعيل بن نور الدين الوالى على حلب، و لكن سعد الدين كمشتكين كان الوصى القهرى عليه اذ أن الصالح اسماعيل لم يكن قد تخطى الحادية عشرة من عمره عند وفاة والده. أما الموصل فكانت تحت امرة سيف الدين غازى ابن عم الصالح اسماعيل. و بالإضافة الى هاتين الإماراتين، كانت هناك امارة ثالثة يسعى صلاح الدين لضمها اليه و هى منطقة سنجار التى كان يحكمه عماد الدين ابن العم الثالث بعد الصالح اسماعيل و سيف الدين. و كان صلاح الدين قد فاوض الصالح اسماعيل سنة 572 هجرية و وقع معه معاهدة انسحب صلاح الدين على أثرها صلاح الدين من الشام. و ظل صلاح الدين على احترامه لتلك المعاهدة فلم يقترب من حلب أوالموصل. و لكن الأخبار وصلته أن امير الموصل شرع فى تكوين حلف مع أمير امارة أنطاكيا و امراء الطائفة الإسماعيلية للقضاء على صلاح الدين. و على الجانب الآخر، وقعت خلافات شديدة فى حلب اغتيل على أثرها سعد الدين كمشتكين على يد الصالح اسماعيل تحت تأثير البطانة الفاسدة التى كان تحيط به. و يرجع أمر اغتيال سعد الدين الى استئثاره بالنفوذ و الثروات داخل الإمارة دونا عن الصالح اسماعيل الذى تخلص منه ليصبح أمير حلب. و توالت الأحداث بعد ذلك سريعا حتى اغتيل الصالح اسماعيل بواسطة الطائفة الإسماعيلية. و عند التساؤل عن سبب اغتيال الصالح اسماعيل نجد نفس الإجابة عن مقتل أحد أمراء بنى أرطق، وعماد الدين زنكى، و سعد الدين كمشتكين، ألا و هى المصالح الشخصية و حب الدنيا.

و بناءا على توالى الأحداث بصورة سلبية كما سبق ايضاحه، أصبح من الضرورى أن يتدخل صلاح الدين سريعا خوفا من سقوط حلب فى يد سيف الدين غازى الذى يصر على رفضه للتحالف مع صلاح الدين فى حربه ضد الصليبيين. و بالتالى، تحرك صلاح الدين الى حلب، و لكن سيف الدين غازى كان قد سبقه اليها و وضع يده عليها. و بدأ صلاح الدين يفاوض سيف الدين بشأن موقف كل من حلب و الموصل. و أثناء جريان تلك المفاوضات تآمر سيف الدين على قتل صلاح الدين. و بذلك يتضح أن الأمة الإسلامية قد ابتليت بكم من الأمراء و الأشخاص الذين يتقلدون المناصب لمنفعتهم الشخصية و ليس كمسئولية لصالح الرعية.

و قد شاء الله جل علاه أن ينجو صلاح الدين الأيوبى من محاولة الإغتيال للمرة الثانية فردد نفس الجملة التى قالها فى المرة الأولى: "لقد أنقذنى الله تبارك و تعالى لأمر كان مفعولا سأكون فيه سببا و فعلا". و بذلك تكون النجاة من الإغتيال مؤشرا لصلاح الدين عن رضا الله سبحانه و تعالى على الطريق الذى سار فيه، فأحكم الحصار على حلب. و لكن أثناء الأعمال الحربية المصاحبة لإستمرار ذلك الحصار فقد صلاح الدين أصغر اخوته الملقب تاج الملوك بورى. و يتضح حجم المعاناة التى مر بها صلاح الدين و هو يحضر احتضار أخيه الأصغر الذى جرح فى احدى المعارك. و لكن تلك المعاناة و غيرها تهون فى سبيل فتح مدينة اسلامية تنضم الى الوحدة و تزيد من قوتها.

"قل ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء"[1]

و بعد طول انتظار، سقطت حلب بعد أن استخدم صلاح الدين أقوى أنواع المنجنيق فى ذلك الوقت لفتح أقدم مدن الشام قاطبة. و فى واقع الأمر، لقد أسست حلب قبل ميلاد السيد المسيح، و منذ نشأتها كانت ملتقى التجار. و يكفى أن حلب قد حكمها رجال تحروا تقوى الله تبارك و تعالى و جاهدوا فى سبيله مثل عماد الدين زنكى و من بعده ابنه نور الدين محمود. و بسقوط حلب تكون الشام كلها قد دانت لصلاح الدين الأيوبى . و لذلك فلقد شهدت تلك المدينة احتفالات هائلة عشية قدوم صلاح الدين اليها.

و ما ان حط صلاح الدين أوائل خطاه فى حلب حتى ناجى ربه متضرعا، حامدا، شاكرا، ناسبا الفضل اليه سبحانه و تعالى، و متبتلا اليه على النحو التالى: "ما كنت ربى أطمع فى يوم توهب لى فيه مدينة حلب خلفا لعماد الدين زنكى و نور الدين محمود". ثم تلى الآية التالية:
"قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشآء و تنزع الملك ممن تشآء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيئ قدير" ]آل عمران، 3 : 26 [.

و ما اطيب أن يشكر كل منا الله جل علاه على نعمائه التى من بها علينا، و أن يرجع الفضل الى صاحب الفضل، تماما كما فعل صلاح الدين الأيوبى عندما سجد لله تبارك و تعالى أمام الجموع المحتشدة. و لا أقل من أن يفعل صلاح الدين ذلك بعد أن خصه الله العزيز الرحيم بسلطان الشام و مصر دونا عمن سبقوه من القادة المخلصين أمثال عماد الدين زنكى، و نور الدين محمود، و نجم الين أيوب، و أسد الين شيركوه!

"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"[2]

لقد كان من الطبيعى بالنسبة لرجل طيب المنشأ مثل صلاح الدين أن يستشعر لحظة عرفان بالجميل أبان دخوله حلب بعد ان خضعت له، اذ أسرع ليزور قبر نور الدين محمود مترحما على ذلك العبد الربانى الذى نشأ على يديه. و كانت هناك مفاجأة بإنتظار صلاح الدين حيث وجد شيخا مسنا غارقا فى البكاء على مقربة من القبر. و سمعه صلاح الدين و هو يقول: "من لنا بعدك يا نور الدين؟ المكوث و الضرائب اخذت ما أمامنا و ما خلفنا، و أصبح الشيخ الضعيف الفقير مثلى القبر أولى به من أن يعيش ذليلا، ليس هناك عادلا بعدك يا نور الدين". و رغم حالة النشوة التى جاء عليها صلاح الدين نتيجة لدخوله حلب فاتحا لها، الا أنه اجهش بالبكاء عند سماعه كلام الشيخ أمام قبر نور الدين محمود. و فورا، أمر صلاح الدين بالغاء المكوث و الضرائب التى كانت قد فرضت فى عهدالصالح اسماعيل، و رد الأمر الى ما كان عليه فى عهد نور الدين محمود، و أخذ ذلك الرجل و أعطاه من بيت مال المسلمين.

و من خلال هذه الواقعة يتضح للقارئ مدى وفاء صلاح الدين لمربيه و معلمه و قائده نور الدين محمود، و تتضح أيضا مدى كذب الإدعاءات التى كانت قد أشيعت على تنكر صلاح الدين لقائده و معلمه نور الدين أثتاء حياة الأخير. و مثلا آخرا من أمثلة و فائه لنور الدين محمود ضربها صلاح الدين عندما أمر بنقل المنبر الذى كان نور الدين محمود أمر بإنشائه من حلب الى دمشق انتظارا لوضعه بالمسجد الأقصى بعد تحريره، وفقا لرغبة نور الدين محمود. و بهذا الفكر و هذا السلوك يكون صلاح الدين متبعا للطريق الذى سار عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم، و الصحابة رضى الله عنهم و أرضاهم أمثال خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و أبو عبيدة بن الجراح، و من المعاصرين له أمثال عماد الدين زنكى ، و نور الدين محمود، و أمراء بنى أرطق.

بعد فتح صلاح الدين لحلب نودى به سلطانا على الشام و مصر، فتلى الآية التالتة أمام وزرائه:

"و اورثكم أرضهم و ديارهم و أموالهم و أرضا لم تطئوها و كان الله على كل شيئ قديرا" ]الأحزاب، 33 : 27[.

و هذا مثال آخر من أمثلة تحرى صلاح الدين تقوى ربه اذ يبوء لله تعالى بنعمته عليه بأن جعله من أعظم ملوك الأرض وقتها. و لكم نحتاج الى مثل هذا الإعتراف بنعم الله عز و جل علينا، خاصة أن هذه هى احدى صفات عباد الله المخلصين.

و بطبيعة الحال، لم يكن صلاح الدين الأيوبى وحده فى انتهاج المنهج الربانى و اتخاذ السلوك القويم طريقا، بل كانت حوله مجموعة من المتقين مثل القاضى الفاضل. و كان ذلك الرجل صاحب اخلاص نادر، وخطابة عالم، مما جعله يذهب الى ميدان المعركة فى كثير من المواقع ليتلو على الجند سورتى الأنفال و التوبة، و يشحذ هممهم، ابتغاءا لمرضاة الله عز و جل.




اللهم أعز الإسلام و انصر المسلمين و ارفع راية الحق و اليقين

و حتى ذلك الوقت، لم يكن صلاح الدين قد ضم أخضع امارة الموصل لسلطته بعد. و كان سيف الدين غازى قد رفض فى مرات عديدة مساعدة صلاح الدين فى حربه ضد الصليبيين. و لذلك، لم يجد صلاح الدين بدا من مواجهة سيف الدين غازى عسكريا و دارت بينهما معارك عديدة هزم فيها سيف الدين غازى، و لكن صلاح الدين لم يستطع دخول الموصل نظرا لمناعتها. و للأسف نعلم كلنا ما آل اليه حال مدينة "الموصل" فى شمال العراق فى وقتنا هذا من خضوع لإحتلال غربى بغيض. اللهم حرر "الموصل" و كافة أراضى الإسلام يا رحمن يا رحيم.

و صحيح أن صلاح الدين الأيوبى كانت بينه و بين الصليبيين معاهدة عدم اعتداء، و لكن السفاح أرناط هاجم قوافل الحجيج. و قد حذره بلدوين الرابع تحذيرا شديدا من العودة الى تلك الأفعال الشيطانية. و لكن امعانا فى سلوكه الشرير، زحف أرناط بجيشه حتى وصل الى ميناء مصرى اسمه "عيذاب" و قتل من أهله ما قتل، ثم وصل الى ميناء "جدة" قاصدا مكة و المدينة. و عندما أراد العراب تخويفه من صلاح الدين، قال لهم: "دعوا محمدا يخلصكم فى هذه اللحظة من شرورى"، و هى نفس المقولة التى يرددها الصهاينة فى وقتنا الحالى، زاعمين أن أمة محمد صلى الله عليه و سلم تعجز ان تنجب رجالا يخرجوهم من الأراضى التى احتلوها. و عندما وصلت أخبار الجرائم الجديدة التى اقترفها أرناط، صاح صلاح الدين: "لقد بلغ هذا السفاح أرناط مبلغه، أيقتل الآمنين و يهتك ستر الحرائر؟ أيقتل الطفال و يستولى على أموال المسلمين؟ أيهدد الحرم و قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ هيهات هيهات و أنا حى، فوالله لئن نلت منه لا يقتله أحد سواى!". لقد عبر صلاح الدين عن طموحه لإعزاز الإسلام و النيل من كل من تسوله نفسه بالتعرض للمسلمين. و بدأ صلاح الدين يوجه اهتمامات الأمة كلها للهدف المرجو و هو استرداد بيت المقدس، و استعادة أرض فلسطين، و تحرير التراب الإسلامى من نجس الصليبيين. و تروى الأحداث التالية أن الله سبحانه و تعالى أبر قسم صلاح الين، فأنى لنا برجل مثل صلاح الدين يبعث الهمة فى الأمة من جديد؟!

الميزان

و عن قيمة الرجال يحدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قائلا فى الحديث الذى يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص: "وزن ثلاثة من أمتى البارحة"، و هى رؤية رآها الرسول صلى الله عليه و سلم و تعنى أن ايمان ثلاثة أشخاص من امة النبى وضع فى كفة بينما وضع ايمان الأمة كلها فى كفة أخرى و تساوت الكفتان! و فى حديث آخر، يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: "يؤتى بالرجل السمين العظيم يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة". و فى الواقع، فان القلب السليم هو الذى يزن عند الله يوم القيامة. و لبيان القيمة الفعلية لصلاح القلب و بعده عن الفساد، يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: "يقف الرجلان فى صف واحد، القيام و الركوع والسجود واحد، و عندما يختتمان الصلاة، الفارق فى الصلاة بينهما ما بين السماء و الأرض". و الفارق هنا يكمن فى القلب، فيصل أجر احدهما للسماء، بينما يبقى أجر الآخر بسيطا.

و يؤكد رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك بقوله: "ما سبقكم أبو بكر بصلاة و لا صيام، و لكن سبقكم بشيئ وقر فى قلبه". و عند التساؤل عن سبب تميز أبو بكر الصديق رضى الله عنه عن بقية الأمة نذكر موقفه فى حروب الردة، فرغم أن السواد الأعظم من الصحابة الكرام نصحوه بعدم مقاتلة رافضى دفع الجزية الا أنه قال مقولته الشهيرة: "و الله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم عليه!". و فى تلك اللحظة المجيدة من تاريخ الأمة استطاع أبو بكر الصيق من اعادة الإتزان للأمة.

و الحال أشبه بذلك عندما وقف الإمام أحمد بن حنبل وقفته الحاسمة من ادعاء خلق القرآن اذ أنه واجه بمفرده كل من خاض فى ذلك الأمر و تعرض للإضطهاد و الحبس فى السجن، و لكنه فى النهاية نال نصر الله العزيز الحكيم.

و تأكيدا لنفس المعنى، نعود بالذاكرة الى واقعة خاصة بأحد الصحابة الكرام و هو عبد الله بن مسعود. ففى ذات مرة كان هذا الصحابى الجليل يتسلق نخلة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم و الصحابة رضوان الله عليهم. و كان عبد الله بسيط الجسم و دقيق الساقين. و قبل أن يتسلق النخلة، رفع عبد الله ثوبه فظهرت دقة ساقيه مما أثار ضحك بعض الحاضرين. و فى تلك اللحظة أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يؤكد على عدم أهمية الشكل عند الله تبارك و تعالى فهو يأخذ بالقلب و الجوهر و ليس بالصورة والمظهر، فقال: "فو الله انها أثقل فى ميزان الله يوم القيامة من جبل أحد".
و هناك أيضا قصة عقبة بن غزران و هو سابع سبعة فى الإسلام. فى ذات يوم كان هذا الصحابى فى حمص، فلاحظ أن المحيطين به معجبون بهيئته فقال لهم: "اياك أن يغركم منظرى، فلقد أكلت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ورق الشجر حتى تشققت شفتاى، وقد قسمنا الإزار الواحد بيننا، أخذ هو نصفه و أخذت نصفه الآخر!".

و فى الواقع، هناك عدد كبير من الرجال المخلصون الذين تمكنوا من اعادة الإتزان للأمة على فترات متباعدة و كلما لزم الأمر. و بالتأكيد، فان صلاح الدين الأيوبى يعد من هؤلاء الرجال اذ كان صلاحه الحقيقى يكمن فى صلاح قلبه و علاقته بالله سبحانه و تعالى.

اذن، فان ارتباط العباد بربهم من خلال الإقبال على الطاعات و البعد عن المعاصى هو الذى يزيد من وزن الأمة. فأنى لنا برجل يزن هذه الأمة من جديد بهذا المقدار من الأوزان؟! و لذلك، نحن فى أمس الحاجة الى أن نلتفت لحال علاقة قلوبنا بالله جل علاه.

و بعد الحديث عن الإيمان الذى وقر فى القلب و صدقه العمل، فعلينا أن نتفقد أحوال قلوبنا و علاقتها بالله تبارك و تعالى. فهل كل منا راض عن مدى قربه من الله الواحد الأحد؟ أم بالطبع هناك رغبة فى زيادة التقرب من الله عن طريق مضاعفة الطاعات و البعد عن المعاصى؟ فلتكن اجاباتنا صادقة حتى نضع أنفسنا على بداية الطريق الصحيح للفوز بالجنة و النجاة من النار.

[1]]ال عمران، 3 : 73[.

[2]]الأحزاب، 33 : 23 [.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 15
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى :: «»«»«»«»المنتدى الاسلامي «»«»«»«» :: شخصيات اسلامية عظيمة-
انتقل الى: