سيف الحق عضور مؤثر
عدد الرسائل : 75 العمر : 33 العمل : طالب المزاج : متفائل بالخير تاريخ التسجيل : 20/07/2008
| موضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 18 الخميس أغسطس 14, 2008 6:03 pm | |
| الفصل الثامن عشربيت المقدسالمؤمنون و الأخذ بالأسباب
يشترك الأفراد و الجماعات و الدول أيضا فى ضرورة أخذهم بالأسباب حيث قال الله تعالى فى كتابه الكريم:
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ]الرعد، 13 : 11[.
و بالتالى، فعندما تكون هناك رغبة فى إنجاز أمر معين، فهذا الأمر يستطلب بالقطع جهدا مبذولا لتحقيقه. و لا يجوز السكون إعتمادأ على التوفيق الإلهى فى تدبير الأمور، فإن الله يحب العبد المجتهد، الذى ما أن بذل ما فى وسعه حتى أدركته رحمة الله و بركاته فى حسن إتيان ما أقبل عليه و بذل له الجهد المستطاع.
أهمية الإعداد الإيمانى
فى صباح معركة "حطين"، و بعد صلاة الفجر تحديدا، إستعرض صلاح الدين اليوبى قواته و أخذ يتأكد من ترتيبات الخطة التى كان هدفها إنهاك العدو بإجباره الى هبوط منحدر "حطين" بما فى ذلك من مشقة و إرتباك.
و لكن صلاح الدين كان قد إهتم منذ سنوات طويلة بأمر أهم و أدق، و هو الإعداد النفسى للجند المسلمين لإنه كان يعلم أنه بقدر الإهتمام بالجانب المعنوى و النفسى للفرد بصفة عامة و للجندى بصفة خاصة، بقدر ما تزيد قدرة تحمله للمواقف الصعبة. و على سبيل المثال، هل يمكن لرجل لا يغض بصره عن محارم الله أن يشترك فى موقعة الغرض منها إبتغاء مرضاة الله؟ أو أن يسهم فى إستعادة بيت المقدس؟ أو أن يكون ممن يطهرون المسجد الأقصى من أيدى أعداء الدين، و أن يصلى فيه ركعتين؟ و هل يجوز لشاب لا يصلى الفجر أن ينال شرف الجندية فى معركة عزة للإسلام مثل معركة "حطين"؟ الإجابة واحدة، من لا يغض بصره و من لا يصلى الفجر لن يجوز ضمه لصفوف الجند. و هذا يعنى أنه إذا أراد شابا أن يحظى بإختيار الله عز و جل له ليكون ضمن المقاتلين فى المعركة الفاصلة، فعليه أن يلتزم بتحرى تقوى المولى تبارك و تعالى من خلال البعد عن المعاصى و الإكثار من الطاعات. و كذلك الأمر بالنسبة للفتاة التى لا ترتدى الزى الإسلامى للمرأة، فكيف لها أن تقوم بتربية إبنها تربية ربانية مثل تلك التى تلقاها صلاح الدين الأيوبى؟ و أيضا، كيف يمكن للشاب الذى لا يبر والديه أن يتحكم فى مقدراته و أن يوجه نفسه التوجيه السليم؟ ألم يقرأ الآية الكريمة:
"فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما" ]الاسراء 17 : 23 [.
و الأسئلة التى تطرح فى هذا الخصوص ليس المقصود منها التعجيز، و إنما المرجو هو مواجهة الواقع بكل تفاصيله حتى تتم المعالجة الصحيحة للسلبيات القائمة. و دائما ما يلقى اللوم على الحكومات أنها لا تعمل على تحرير المسجد الأقصى، و لكن القضية لا تخص السياسات العامة و لا مقدرات ملوك و رؤساء، و إنما الأمر يتعلق بإرتباط الشخص بربه حتى يختاره الله سبحانه و تعالى لمعركة مثل التى دارت بسهل حطين. و هذا هو بالضبط ما فعله صلاح الدين و المجموعة المعاونة له. و فى الحقيقة، القضية هى كيفية إعداد أمة تنصر الله فينصرها الله و يعزها، و يكون ذلك من خلال التربية على الأسس الإسلامية و غرس المعانى الإيمانية فى الصغار حتى تكون لهم زادا يسلكون من خلاله الطريق القويم.
"إن ينصركم الله فلا غالب لكم"[1]
و مع بزوغ فجر يوم 24 من ربيع الآخر لعام 583 هجرية، كانت أول هجمة صليبية على جيش صلاح الدين فى سهل حطين. و نزل من الهضبة ستون ألفا من الجند الغربيين لم يعد منهم سوى ثلاثون ألفا فقط،أى أنه خلال ست ساعات أبيد ثلاثون ألف جنديا صليبيا، بينما عاد الآخرون يخبرون عن الأهوال التى شاهدوها فى سهل حطين.عندما راى ابن صلاح الدين ما حدث قال "إننا إنتصرنا"، ولكن صلاح الدين قاطعه بقوله"اصمت فوالله لا ننتصر حتى تسقط خيمة جايل أمير بيت المقدس ". ثم بدات الهجمة الصليبية الثانية و الذى كان هجوم شبه انتحارى لإنهم كانوا قد إستنفذوا أجسامهم وأعصابهم طوال اليوم. الهجمة الثانية كانت أيضا بستون الف مقاتل لم يرجع منهم سوى ثلاثون الفا فقط. وهذا يدل على أن نصف الجيش قد ابيد فى خلال اثنتى عشرة ساعة فحسب. و يتضح بذلك ان الخمسون الف جندى المؤلف منهم جيش صلاح الدين كان يقاتلون بمعونة من قبل رب العالمين سبحانه وتعالى . ولكن تلك الحقيقة الواضحة لم تدر ببال الأمراء الصليبيين فارتكبوا الخطأ الفادح بالإقدام على شن هجمة ثالثة. و لما أراد هؤلاء القادة ان يشعلوا حماس جنودهم أمروا بعضهم برفع صليب ضخم اسمه "صليب الصلبوت" و مشوا فى مقدمة الهجمة الثالثة. و بدأوا الإنحدار الشديد ليواجهوا المسلمين مواجهة شرسة حيث كانت فرصتهم الأخيرة. و فى المقابل، أدرك قادة أفرع الجيش المسلم حماس الصلبيين فأخذوا يحفزون جندهم و يذكرونهم برضا الله و الجنة. و بناءا عليه، إحتدم الوطيس و تفوق المسلمون حتى أتوا خيمة الصليبيين و مزقوها إربا، و سقط "صليب الصلبوت" فى أيدى الجند المسلمون، و لم يبق من الجيش الصليبى بأكمله إلا الأسرى. أماأرناط و جايل، فقد حاصرهم مائة و خمسون فارسا مسلما.
"وعلى الله فليتوكل المؤمنون"[2]
و إنتهت المعركة بإنتهاء اليوم، فكانت معركة اليوم الواحد، ولكنها ف الواقع احتاجت الى اعداد الأمة على مدى واحد وتسعين عاما على يد أمراء بنى أرطق، ثم عماد الدين زنكى ، و مرورا بنور الدين محمود ، و إنتهاءا بصلاح الدين الأيوبى. وهذا يدل على ضرورة عدم اليأس من الأوضاع الحالية حيث أن المسجد ظل تحت سيطرة الصليبيين لمدة واحد وتسعون عاما اتخذه أثناءها الصليبيون حظيرة للخنازير، فى حين أنه يخضع للإحتلال حاليا منذ سبع و خمسون عاما و تقام فيه الصلاة حتى الآن. و با لتالى، لازال الأمل معقودا على عودة المسجد الأقصى و تحرير كل ديار المسلمين بشرط خروج قائد جديد من بين صفوف شباب المسلمين مثل صلاح الدين الأيوبى. حقيقة، تتضاءل مشاعر الإنتصار أمام الموقف الذى إتخذه صلاح الدين عندما تحقق من الإنتصار، إذ أنه نزل من على فرسه و سجد سجدة شكر ظن من حوله أن روحه قد قبضت فيها من طول السجدة. و لذا، فإن دعاء صلاح الدين قبل المعركة و سجدة الشكر بعدها يدلان على نوعية القائد الذى نحتاج إليه ليقودنا الى العزة.
مكانة الصديقين عند الله تبارك و تعالى
إنتهت المعركة و لكن تبقى الدروس المستفادة منها. و على سبيل المثال، أخذ صلاح الدين يبحث عن ارناط وسط الاسرى حتى وجده، و كان قد اقسم على قتله وقد فعل، و ذلك لإن أرناط كان من الاشخاص الذين يقتلون الاطفال لمجرد حملهم الحجر.أنى لنا برجل يقسم على الله فيبره مثلما حدث مع البراء بن مالك و صلاح الدين الأيوبى؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "رب أشعث أغبر ذى طمرين لو اقسم على الله لأبره". قتل أرناط و إنتهى عهده و ظهر عهد جديد، عهد القوة و العزة للإسلام.
الإسلام ... من آدم عليه السلام ... الى محمد صلى الله عليه و سلم
أخذ صلاح الدين اليوبى يتفقد الأعداد الغفيرة من الأسرى سواء الأمراء أو الجند الصليبيين الذين أتوا الى الشرق بأطماع الثراء و دون أن يفكروا فى اليوم الذى سيذوقون فيه مرارة الذل كيوم حطين. وإسترجع صلاح الدين الأيوبى ذاكرة بعض أبيات الشعر التى كان نور الدين محمود يحتفظ بها ثم وصلت إليه. و تقول هذه الأبيات:
يا أيها الملك الذى لمعالم الصلبان منكسجاءت ظلامة تسعى من البيت المقدسكل المساجد طهرت و أنا على شرفى منجسو إذا كانت الأبيات جاءت على لسان المسجد الأقصى فذلك لإنه أولى القبلتين، و ثالث الحرمين الشريفين، وأحد ثلاثة مساجد فقط يشد إليها الرحال، و الصلاة فيه بخمسمائة صلاة فى غيره من المساجد، و هو المسجد الذى بناه آدم عليه السلام. وقد أثبت الله سبحانه و تعالى فى القرآن الكريم أن البقعة التى بنى عليها المسجد الأقصى هى حكر لهذا المسجد و لا يجوز لأى شخص أن يبدل أو يشوه شكل هذا المكان، فيقول الله تعالى:
"سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" ]الإسراء، 17 : 1[.
و لذلك ينبغى أن يتأصل فى عقيدة كل مسلم فى كل زمان و مكان أنه ليس لأحد حق فى أرض فلسطين إلا المسلمين، و أن هذه الأرض ملك لله تبارك و تعالى يورثها لمن يشاء. و لقد أطلق الصهاينة إسم إسرائيل على تلك القاعدة الصهيونية الموجودة على أرض فلسطين، رغبة منهم فى إخفاء معالم التاريخ، غير أن رب العالمين لم يترك موضعا يحاولون به تزييف الوقائع إلا أظهر حقيقته بآية من القرآن الكريم، و أكد على أنه ليس لليهود حق فى أرض فلسطين. و ليس من دليل أقوى على ذلك إلا الآية القرآنية التى تذكر لحظة إحتضار سيدنا يعقوب عليه السلام، والمسمى ب "إسرائيل"، و توضح أن ملته هى الإسلام:
"أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك و إله أبآئك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون" ]البقرة، 2 : 133[.
و لنتأمل كذلك الآية القرآنية التى تورد مناجاة سيدنا يوسف عليه السلام لرب العزّة تبارك و تعالى:
" رب قد اتيتنى من الملك و علمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السموات و الأرض أنت ولى فى الدنيا و الآخرة توفنى مسلما و ألحقنى بالصالحين" ]يوسف، 12 : 101[.
و لننظركيف يأصل موسى عليه السلام لدى قومه الإسلام كعقيدة و منهج:
"وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين" ]يونس، 10 : 84[.
و قد إعترض اليهود زاعمين أنهم بنوا الهيكل فى عهد داود و سليمان، فيفضح القرآن الكريم أكاذيب هؤلاء الصهاينة بتبيان الحقبة و طبيعة الملة و الدين التى كان يدعوإليها داود و سليمان عليهما السلام، و ذلك من خلال ما ورد برسالة سليمان إلى الملكة بلقيس:
"إنه من سليمان و إنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علىّ وأتونى مسلمين" ]النمل، 27 : 30 – 31[.
و يجادل اليهود إ ذ يفسرون لفظ "مسلمين" على أنه إستسلام و ليس إ عتناقا لدين الإسلام، فترد عليهم بلقيس بقولها لربها:
"قالت رب إنى ظلمت نفسى و أسلمت مع سليمان لله رب العالمين"]النمل، 27 : 44[.
و يلاحظ بكل وضوح فى الآيات السابقة تأصيل عقيدة الإسلام لكل نبى و رسول من لدن آدم الى رسول الله صلى الله عليه و سلم. إذن، فالعقيدة التى إعتنقها كل الأنبياء و الرسل واحدة. أما التحريف الذى أجراه الصهاينة فلا قيمة له عندنا نحن المسلمين لإننا نعتقد ما يعتقده الأنبياء و الرسل . و لم يترك القرآن و لا الأحاديث الشريفة فرصة لتزييف الحقائق حتى و لو ذكرت الموسوعة الأمريكية المطبوعة سنة 1980 أنه كان هناك هيكلا يهوديا قائما فى بيت المقدس وقت من الأوقات، و حتى لو ذكر ديورانت صاحب موسوعة الحضارة أن سليمان و داود كانا نبيان يهوديان، لإن القرآن ينفى ذلك، و لإن النبى صلى الله عليه و سلم صلى بالأنياء و الرسل جميعا فى المسجد الأقصى من ضمن ما حدث خلال رحلة الإسراء و المعراج. و بالتالى، ليس لليهود حق فى أرض فلسطين حتى أن التاريخ يثبت أنهم لم يقيموا بفلسطين أكثر من مائتى عام. و قد ظل اليهود بمصر ثلثمائة عام فلم لا يطالبون بحكم مصر؟!
بيت المقدس
إن أسباب الإنتصار فى حطين لاتتغير بتغير الزمان و المكان، و إذا كان الهدف هو إعادة أمجاد الأمة فينبغى البحث عن القيادة السليمة التى تؤدى الى بيت المقدس، و الإلتزام بأصول التربية وأصول إختيار القيادات.
و بعد الإنتصار الذى حققه فى حطين ، شرع صلاح الدين فى فتح الحصون المختلفة مثل الناصرة، و قيصرية، و حيفا، و عكا، و صافورية، و عسقلان، و الطور، و يافا، و نابلس، و غيرها من المدن. وإقترب صلاح الدين من بيت المقدس فى 20 رجب عام 583 هجرية، و ظل صلاح الدين محاصرا لهذه المدينة أسبوعا بأكمله حتى جرت مفاوضات فى خيمته بينه و بين القائد الصليبى ليليان لبحث ظروف تسليم الصليبيين لبيت المقدس إلى المسلمين. و لإننا أبناء عقيدة الإسلام و نستمد أصول معارفنا من القرآن الكريم و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و بمفهوم هذه العقيدة، وقف صلاح الدين الأيوبى أمام ليليان ، و دار بينهما الحوار التالى:
"(ليليان) : إن الموت أيسر علينا من أن يملك المسلمون بيت المقدس، و دون ذلك، بذل النفس و المال و الولدن حتى نحفظه منهم! (صلاح الدين) : إن هذه البلاد التى تسكوننها هى بلاد الإسلام، و أنتم الذين أتيتم من وراء البحر، و أطلقتم على أنفسكم إسم "الصليبيين"، و أصبح وجودكم عار على شرفنا ، و لن يخمد لنا جفن أو أو يرتاح لنا قلب حتى تجلوا عن هذه الأرض!".
و كم كان رد صلاح الدين الأيوبى ملئ بالحماس و الثقة بالله ثم بالنفس! و نظرا لغطرسة ليليان و عناده، لم يجد صلاح الدين بدا من قذف أسوار المدينة بالمنجنيق حيث كان التركيز على باب عمرو تم فتحه.
سماحة الاسلام
و عند هذه اللحظة، تفاوض ليليان مرة أخرى مع صلاح الدين طالبا منه أن يسمح للصليبيين الرحيل بسلام، و لكن صلاح الدين كان له رأيا آخرا حيث أنه كان ما زال يدور بخلده المذبحة التى راح ضحيتها سبعون الفا من النساء و الأطفال و الشيوخ عند إستيلاء الصليبيين على بيت المقدس. و لذلك، أصبح من الطبيعى إعتبار الصليبيين أسرى حرب لإن ليليان كان قد رفض الرحيل فى المفاوضات الأولى.
و كانت الفدية للرجل الصليبى قدرها عشرة دنانير، و خمسة للمرأة، و ثلاثة للطفل. . بل، أن صلاح الدين ظل فاتحا لأبواب المدينة يوما كاملا لخروج من لم يستطع من الشيوخ أن يدفع الفدية. ثم جاءته النساء تتشفعن لأزواجهن، فإنطلاقا من تعاليم الإسلام الكريمة، فك صلاح الدين أسر رجال الصليبيين!
و إذا كان صلاح الدين قد تعامل مع الصليبيين بهذا القدر الهائل من السماحة، فلم لا يتعامل كل منا تجاه الآخر بمبدا العفو عند المقدرة؟ و لذلك، فالمطلوب منا إستنفار مشاعر التسامح الموجودة بداخلنا حتى يسود الئام بين كافة أفراد الأمة.
[1] ]آل عمران، 3 : 160[.
[2]]آل عمران، 3 : 122[. [/b][/center] | |
|