المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى

عــــنــــدمــــا يـــجــــتـــمـــع الـــخــــيـــال مـــع الــــواقـــع فـــي تــــفــــكـــيـــر حــــر
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سيف الحق
عضور مؤثر
عضور مؤثر



ذكر عدد الرسائل : 75
العمر : 33
العمل : طالب
المزاج : متفائل بالخير
تاريخ التسجيل : 20/07/2008

صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1 Empty
مُساهمةموضوع: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1   صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1 Icon_minitimeالخميس أغسطس 14, 2008 6:49 pm

الفصل الأول

التعارف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله والحمد الله و الصلاه و السلام على رسول الله.

أقدم اليكم هذا الكتاب المعنون ب "فجر أمة". وأقصد بهذا العنوان الفترات التى أفرزت فيها شمس الاسلام شخصيات استطاعت بإسلامها أن تضئ الدنيا و تبرهن على عظم قدر الاسلام بما يتيح له أن يكون دائما فى الصدارة .

صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر

وقد تم اختيار شخصية صلاح الدين الأيوبى كأول شخصية يتم القاء الضوء عليها .

و بلا شك، إن الحديث عن صلاح الدين يعود بنا الى صفحة مضيئة من صفحات تاريخنا. ولكن سرعان ما نصاب بحسرة عند العودة الى الأمجاد التى عاشتها الأمة فى وقت من الاوقات و مقارنتها بما نحن عليه الآن. وبالتالى قد يتساءل البعض " لم أنغمس فى قراءة كتاب مثل هذا؟ ماذا عساه أن يزيدنى كتاب عن صلاح الدين الأيوبى ؟ لا داعى لزيادة ما نحن غارقون فيه من احباط ! ". فى حين يكتفى البعض الاخر بعدم اهتمامه بالتاريخ على وجه العموم. و على أى حال، ليس الغرض من هذا الكتاب دراسة التاريخ، و لا تقديم فقه دينى بحت، و لا سرد احداث و تواريخ تثقل كاهل القارىء. وإنما كل أملى أن يبزغ فجر الأمة من جديد مثلما بزغ من قبل. بالفعل، نحن نشعر بمرارة الظلمة الشديدة المحيطة بنا، و بالليل الدامس الذى يحاصرنا من كل اتجاه. متى تسطع الشمس؟ ومتى يبزغ فجر هذه الشمس؟ أعتقد أنه ليس لدينا أدوات تمكننا من اعادة الفجر من جديد سواكم أنتم قراء هذا الكتاب. حقيقة، أنتم الفجر الذى ننتظره منذ أمد طويل. و فى الواقع، تثير هذه المقدمة تساؤلات و مواقف كثيرة و قصص و روايات، المقصود منها اثارة فضولكم حتى يتضح مدى احتياجنا للقراءة و التعلم، وخاصة بالنسبة لشباب القراءالذين يمثلون الشريحة المهمة و التى تقوم عليها الأمة ككل.

صلاح الدين القرن الحادى و العشرون

و لذلك، فمن الجدير بالذكرأن يعرف هؤلاء الشباب أن صلاح الدين لم يكن قد اكتسب شهرته بعد حتى سن الثلاثين، و لا كان يخطر على بال بشر أن يتحول هذا الرجل الى قائد مسلم ذائع الصيت و أن يستطيع قلب الأوضاع رأسا على عقب! و عليه، فيا شباب العشرين ربيعا، و أيضا من هو أكثر أو أقل من ذلك قليلا، فإنه بإمكان أحدكم أن يشحذ همته، بل أن يصبح بالفعل صلاح الدين هذا القرن. بكل تأكيد، أنت أيها القارىء تستطيع ذلك فالحديث موجه إليك! و لكن بالطبع عليك أن تتعرف على الملابسات التى جعلت من ذلك الرجل صلاح الدين. هل يجول بخاطرك أن توجه صلاح الدين لله سبحانه و تعالى لم تعتره بعض فترات الضعف مقابل فترات الإلتزام الغالبة؟! بالله عليك، لم يكن صلاح الدين يوما من الأيام أسطورة، بل كان رجلا مثلى و مثلك، محاط بأناس يساعدونه و يشدون من أزره حتى كتب الله له تحقيق الإنتصارات واحدا تلو الاخر. فاذا راودتك نفسك للوصول إلى مرتبته و انجاز ما أنجزه، فلا بد لك اذن من تصفح أبواب هذا الكتاب.

و من المهم بمكان الا نتباه الى الحدث الضخم الذى غير مسار حياة صلاح الدين و هو فى الثلاثين من عمره. فبدلا من كونه مجرد يوسف بن أيوب اصبح لا ينادى الا بلقبه صلاح الدين الأيوبى، صاحب السيرة العطرة المستمدة من انتصارات حطين و عودة المسجد الأقصى ! و ما أدراك أن يكون ذلك الحدث قد وقع فى حياتك أنت أيضا، أو لعله يقع فى أى وقت؟ المهم تستفيد منه و أن يكون ذات الحدث عونا لك على بلوغ ما كتبه الله سبحانه و تعالى لك من مراتب و درجات. و لا زالت الفرصة متاحة شريطة أن تسأل نفسك " لماذا لا أصير مثل صلاح الدين؟ لماذا ينبغى أن يكون صلاح الدين هذا العصر شخصا اخرا غيرى؟ ". و لعلك تستطيع بذلك مواجهة نفسك دون النظر الى اخرين. ثق فى ذاتك، ثق فى قدراتك، و عندها سوف تحقق ما تصبو إليه.

صلاح الدين... و الشباب الحالى

أما صلاح الدين، أبان شبابه، فكان يقضى وقت فراغه فى الرياضة مثله مثل عامة الشباب. فقد كان يمارس لعبة كرة القدم. نعم، كان يلعب الكرة مثلكم أيها الشباب فقد كانت هذه هوايته كما لكم هواية من الهوايات و تمارسون رياضة من الرياضات. و لا تفاجئوا لمعرفة أن صلاح الدين كان يشارك فى دورى الكرة حتى أنه برع فى تلك الرياضة و كان عضوا بارزا فى أشهر فرقها. فى ذلك العصر كان الممارسون لهذه الرياضة يلعبون الكرة و هم علي ظهر الجواد، تماما كما هو الحال بالنسبة للعبة الPolo التى تمارس بالهند و باكستان فى وقتنا الحالى. و لم يحقق صلاح الدين انتصاراته بالنوم طوال ساعات النهار أو بالانقطاع عن الدنيا لحفظ آيات القرءآن و الأحاديث النبوية الشريفة. صحيح أن صلاح الدين كان حافظا للقران الكريم، كما تعلم الأحاديث على أيدى أساتذته، لكنه فى ذات الوقت كان يمارس الرياضة. و بطبيعة الحال كان لصلاح الدين أصدقاء مقربون يلجأ اليهم، يستفتيهم فيفتوه، فقد حدث و أن شعر مرة كما يشعر حديثى الالتزام بالدين عندما يقل ورعهم و خشوعهم فى مناسكهم التعبدية. فبعد أن يكون أحدهم قد تقرب الى الله، يدرك فجأة أنه ابتعد عنه. فنجد صلاح الدين يمر بأزمة نفسية و هو فى السابعة عشر من عمره حتى أنه يسأل عمه اذا كان ما يشعر به من ضيق يعتبر علامة ايجابية أم سلبية.

و ليكن الأمر واضحا ، لم يكن صلاح الدين أكثر تعبدا من الصحابة رضوان الله عليهم و لا من السلف الصالح رحمهم الله، وانما قائدا مسلما جاء بعد أكثر من خمسمائة عام من وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم. اذن، فما زال بالإمكان اعادة الأمور الى نصابها؟! و مهما تدهور بنا الحال، فما زال بامكاننا استعادة الوضع الذى كانت عليه الأمة أبان عصر الصحابة ثم السلف الصالح.

و فى الواقع، فان للشباب نصيب الأسد من الخطاب الموجه إليهم من خلال هذا الكتاب حيث أنهم المعنيون بالعمل على نهضة الأمة من جديد، وعسى أن يبرز منهم من يعيد الينا المسجد الأقصى و أن يحرر كل أراضى الاسلام المغتصبة حاليا.

التربية الفاضلة... الإختيار الحاسم

و لكن كانت لصلاح الدين أهداف مختلفة. فماذا كانت أهدافه بالتحديد؟ و كيف وجدت طريقها إلى قلبه؟ و كيف تمكنت والدته على وجه الخصوص من غرسها فى نفسه؟ الأسئلة كثيرة، فلا بد إذن أن تحمل الأبواب المخصصة فى هذا الكتاب لإلقاء الضوء على نشأة صلاح الدين العديد من تفاصيل الإجابات المرجوة.

و بناءا على ما تقدم فالدعوة قائمة للآباء و الأمهات حتى يتعرفوا على النقاط الخمس الرئيسية الواجب غرسها فى الأبناء، و التى تؤدى إلى تنشئتهم النشأة السليمة. و من الأحرى أن يكون المربون لأولادهم على علم بوسائل التربية السليمة التى من شأنها أن تولد لدى أبنائهم الإهتمامات النافعة، و تغذيهم بالقدوة الحسنة، و تنمى مهاراتهم و تزيد من قدرتهم على التفكير الإيجابى، و تعينهم تدريجيا على ما هو مطلوب حاليا من تحمل المسئولية. و هناك أيضا الحاجة الماسة إلى التأكد من أن أولياء الأمور أنفسهم، و أولادهم كذلك، بإمكانهم إقامة علاقات سليمة.

أيها الأباء و الأمهات، إن مسئوليتكم تشمل، ضمن ما تشمله، بذل هذا الجهد لإن القضية لا تلقى بحملها على الشباب وحدهم، و إنما هى قضية اسرة متكاملة تستطيع أن تنجح فى تربية أبنائها و إفراز شخصية كشخصية صلاح الدين الأيوبى.

و على سبيل المثال، فهل لدى كل أم من الأمهات الإدراك الحقيقى لقيمة القصة التى تروى للطفل قبل النوم؟ لقد توصل علماء النفس لحقيقة علمية ثابتة مؤداها أن اكثر شىء يستقر فى عقلية ونفسية الطفل هو اخر شىء يصل إلى مسامعه قبل النوم. ولذا نجد والدة صلاح الدين تروى له القصص متى يحين ميعاد نومه. فهل أنتن، يا أمهات اليوم تميزن بين ما يروى لطفل السنتين، و ما يروى له عند الأربعة، ثم عند الستة؟ و ما هى الشخصيات التى تردن إبرازها فى نفوس أبنائكم؟ هل هو قتيبة بن مسلم الباهلى، أم عقبة بن نافع؟ أم هم الأميرة و الأقزام السبعة، و ميكى و بندق و ما يلقى إلينا به حاليا؟ ألم يحن الأوان بعد ان تاخذن فى الإعتبار نوعية القصة التى كانت أم صلاح الدين تغرسها فى نفسيته، و أن تتعلمن دور هذه الأم فى تربية إبنها؟

و هل أنتم يا آباء، يا مسئولون، يا رعاة الأسرة و يا رعاة الأمة، الم تعدوا العدة للحظة وقوفكم بين يدى المولى عز و جل و سؤاله لكم عن تنشئتكم لأبنائكم و رعايتكم لهم؟ ألا تشتاقون إلى التميز فى تلك اللحظة؟ الا تبغون الجزاء الحسن؟ الا تقدرون قيمة أن يشار إليكم بعبارات مثل " هذا والد صلاح الدين الأيوبى" أو " هذا جد صلاح الدين اليوبى " ؟

و قبل الإنتقال إلى النقطة التالية، فمن المهم بمكان أن يستقر الكلام السابق فى قلوبكم فتعم الفائدة نظرا لحاجتنا الكبيرة إلى تنفيذ ما سبقت الإشارة إليه و إلى ما يلى.

القدوة و تاثيرها فى تكوين شخصية صلاح الدين المتكاملة

أتريدون فعلا التعرف على كيفية سير الأمور فى عصر صلاح الدين، و ما مدى تأثير شخصية صلاح الدين فى الأمة ككل؟ إذن فلنواصل معا الإهتمام بالقدوة فى تشكيل شخصية الإنسان، و ليسأل كل منا نفسه " من هو قدوتى؟ ما هى الشخصية التى أضعها نصب عينى فى كل تصرف من تصرفاتى؟ ". و العكس صحيح، فمن الممكن أن يتعرف كل منا على قدوته من خلال مراجعته لأسلوب تصرفاته و أفعاله. و على سبيل المثال، لو سألت أى مسلم " من قدوتك ؟ " ، فسريعا ما تنطلق الإجابة " قدوتى رسول الله صلى الله عليه و سلم " ، و طالما أن للحديث خلفية دينية. لكن عند الرجوع إلى حقيقة ما يتم فى المنزل، فى الشارع، فى العمل، فى أى مكان، فمن ذا الذى تتخذه قدوة عند تصرفك فى مختلف المواقف؟ من الشخص الذى تتبع أسلوب تعامله مع الناس، حديثه، أفعاله؟ من هو قدوتك بالفعل؟ لا شك أن الإجابة على هذه الأسئلة سوف تحدد شخصيتك و أهدافك فى حياتك. و من هنا نعود إلى صلاح الدين و قدوته فى الحياة. بالطبع، كان الرسول صلى الله عليه و سلم خير قدوة لصلاح الدين. و من أكثر ما أخذ القائد المسلم عن النبى الكريم هو قيام الليل، فإنه لم يترك هذا النسك التعبدى مهما يكن قد اصابه من تعب او جهد أثناء النهار، فكان يسجد لله ليلا و ينكسر له، و لو فاته نفل الليل تنفل فى الضحى.

و فى حقيقة الأمر، فقد تأثر صلاح الدين أيضا بمجموعة من القدوة المعاصرة له و من أهمها نور الدين محمود الذى تميز بتقواه و نقائه. و لما كان صلاح الدين مقربا لنور الدين، فقد تعلم منه الكثير. وبالتأكيد كان أيضا لشخصية عماد الدين زنكى، والد نور الدين محمود، أكبر الأثر فى نفسية صلاح الدين، فقد إتخذه مثالا للتضحية و الجهاد فى سبيل الله حتى و لو إضطر إلى مواجهة بعض الظروف القاسية منفردا. و لا نغفل دور نجم الدين أيوب، والد صلاح الدين، و الذى اخذ عنه صلاح الدين ترجمة الأقوال إلى افعال. هذا بالإضافة إلى أسد الدين شيركوه، عم صلاح الدين.

أما يا شباب هذه الأيام، فمن قدوتكم؟ هل هو مجرد لاعب كرة يباع بالملايين؟ أم ممثل يؤدى دوره فى فيلم متقاضيا الآلاف المؤلفة؟ أم هو المظهر الذى يظهر من خلاله هذا اللاعب أو ذلك الممثل؟ إنما القدوة الحقيقية هى القدوة التربوية فى المقام الأول. و لذلك ينبغى مراجعة تصرفاتنا حتى يعرف كل منا الأساس الذى تقوم عليه هذه التصرفات و تلك القدوة التى نتبعها فى حياتنا.

صلاح الدين... قدوة الغرب

قد تكون من دواعى الدهشة أن شخصية صلاح الدين الأيوبى مازالت عالقة حتى وقتنا هذا بأذهان الأشخاص الفاعلين فى الحياة الغربية و المصير الأوروبى. فهل لكم أن تتخيلوا أن اللورد اللينبى، وهو لورد إنجليزى، دخل بيت المقدس عام 1917 ليعبر عن مشاعره بالجملة التى لا تخلو من الغرابة " اليوم إنتهت الحروب الصليبية " . أليس غريبا أن يظل هذا الرجل متعلقا بذاكرة الحروب الصليبية التى وضعت أوزارها منذ أكثر من ثمانمائة عام حتى أنه تلفظ بهذه الجملة حال دخوله بيت المقدس فى مطلع القرن العشرين؟ هل هذا الأمر مجرد حدث فردى؟ أم أنه قول صدر عن رجل عسكرى ملم بالأحداث التاريخية؟

الإخلاص لله تعالى ... مفتاح الإنتصار

لقد كانت الجملة التى تلفظ بها ذلك اللورد الفرنسى بمثابة الدافع القوى للعودة إلى كتب التاريخ التى اكدت أن حالة التفكك التى نعانى منها كمسلمين حاليا هى بالضبط التى كانت سائدة قبيل سطوع نجم صلاح الدين، بل إن الحالة أيامها كانت أسوأ من الان. و لذلك، فمن الأهمية بمكان استعادة بعض الحقائق التاريخية، ليس بغرض الإحباط، و لكن على العكس من ذلك، لإعطاء الأمل. و سوف يدرك القارىء مدى إمكانية تحقيق ذلك عند تعرفه على الأدوات التى سوف تمكننا من النهوض من جديد، و عندها تثمر التربية السليمة بإخراج شباب مهيئ للعمل لدينه. و مهما تردى بنا الحال من ضعف، إلا أنه لابد لنا من النهوض و الإنتصار مرة اخرى على أيدى رجال ينتمون لهذا الدين، و لسوف ينتصرون كما إنتصر صلاح الدين الأيوبى!

كما يلزم الأمر الحديث عن شخصية عماد الدين زنكى لنعرف كيف كان لهجوم القائد المسلم على الّرها ردةفعل جعلت الأمير الصليبى يطلب الإستسلام فجرى بين الرجلين الحوار التالى:

" ما هى شروطك يا عماد الدين؟
-شروطى أن أسترد كل الأراضى التى تحت أيديكم.
-أنت تعلم جيدا أن ما تطلبه خارج حدود مقدرتى فلست سوى أميرا لإمارة غير ذات بال.
-و لكنه فى متناول أيدينا، إنما المسألة مسألة وقت، ليس إلا."

فانظر كيف كان يقين هؤلاء الأفراد المحيطين بصلاح الدين الأيوبى. و لذلك فإن الإنتصارات التى حققها ذلك القائد المسلم ترجع إلى منظومة من الأشخاص و ليس إلى شخصه منفردا. و بالتالى فلا ينبغى أن يكون دور صلاح الدين هو وحده الدور المستهدف من قراء هذا الكتاب، و إنما هناك عدة أدوار ينجذب إليها كل أب، كل أم، كل معلم، كل معلمة، كل مشترك فى تربية النشئ، حتى فى تدريبهم رياضيا. أيا كان موقعك فهو مفيد طالما تنوى إتباع الأسس السليمة للتربية. .

و على سبيل المثال لا الحصر هناك قصة الشاب الدمشقى، و هو أحد الشباب الذين تعلموا من صلاح الدين كيف يكون الإخلاص. و هل من قدوة معاصرة فى ذلك الوقت خير من صلاح الدين الذى أمضى سبع و عشرين عاما على ظهر جواده لم يكن له فيها مأوى سوى الخيمة المتنقلة رغم أن القصور كلها كانت مفتوحة أمامه. و ما كان كل ذلك الجد و التفانى إلا إبتغاء لمرضاة الله عز و جل. كان من الطبيعى إذن أن يقتاد به الشاب الدمشقى الذى أدرك انه كانت هناك أزمة حربية عبارة عن أبراج شيدت فى إنجلترا و أتى بها الصليبيون عالية، قوية، لا تؤثر فيها النيران. و لكون هذا الشاب كيميائيا، فكان معنيا بالتعامل مع الأخشاب المصنوعة منها الأبراج. و ظل طيلة ثمانية اشهر يدرس فى معمله الخواص الكيميائية لتلك النوعية من الأخشاب، بما فى ذلك من إرهاق و سهر و إنفاق مادى. و بعد هذه الأشهر الثمانية، أسرع إلى معسكر صلاح الدين حول عكا، و طلب مقابلته، و قدم له السلاح الذى إستخدمه صلاح الدين فيما بعد لتدمير هذه الأبراج. و إنتهت المعارك بإنتصار صلاح الدين الذى أراد مكافأة ذلك الشاب الدمشقى. و جاء الشاب يشق طريقه وسط الجموع التى انبأته بتكريم صلاح الدين له. فما كان من هذا الشخص المخلص إلا أن قال لصلاح الدين عندما وقف بين يديه " ما صنعت ذلك السلاح من أجلك، فما أنتظر أجر منك. و إنما صنعته لله تبارك و تعالى، و إنى انتظر أجرى من الله تعالى يوم القيامة ". و بالطبع لم يكن ذلك الشاب أكثر تعبدا من الصحابة أو السلف الصالح، و إنما كان منتميا إلى مجتمع فى حالة غفلة شديدة ثم أفاق من غفلته و أبرز تلك النوعية من المخلصين. إذن، فالأمر لا يبدو بعيدا على أمتنا حاليا، حال إرتقاء أوضاعها، أن تخرج منها شباب على ذلك النهج.

مثال آخر للإخلاص يطل علينا من نافذة الماضى المجيد، و هو يتمثل فى شاب مسلم اخر اسمه عيسى العوام... نعم، لا تندهشوا، كان عيسى العوام شابا مسلما و لم يكن نصرانيا كما صوره لنا أحد الأفلام السنيمائية. و بالقطع لايستقى التاريخ من أفلام و لا مسلسلات! و لم تكمن قيمة ذلك الشاب المسلم فى براعته فى السباحة و إنما فى قلبه. لقد تم تكليفه بمهمة عبارة عن توصيل أمانة إلى أهل عكا، فربط على بطنه حزام يحتوى على أربعة الاف دينار ذهبية، و كان مطلوبا منه المرور ما بين سفن الأسطول الإنجليزى حتى يصل إلى أسوار عكا. و أثناء سباحته اصيب بسهم معاد فمات. بالطبع، كان الناس فى عكا ينتظرون الأموال، فبدأت الأخبار ترد إلى صلاح الدين أن عيسى العوام لم يصل إلى عكا. و طال الإنتظار... يوم... إثنين... ثلاثة... و فى اليوم الرابع تم العثور على جثة عيسى العوام حيث ألقاها البحر على ضفافه. و للدهشة الكبيرة، وجد الناس الحزام ثابت فى مكانه، ففتحوه و وجدوا ما كان به من أموال. و لنتعظ من هذه العبرة، فبعد موت عيسى العوام، يقدر رب العالمين و يأمر البحر أن يلفظ عيسى العوام إلى ضفافه. و لكم أن تتخيلوا قيمة هذا الشخص عند الله حتى أنه عز و جل جعله يؤدى الأمانة التى أؤتمن عليها حتى بعد موته.

و فى واقع الأمر، هذا هو المثال الذى أطمح أن يصل شبابنا إليه، فمازال الأمل يراودنى أن يشعر الشباب بعد قراءته للعشرين بابا التى يتكون منها هذا الكتاب بأن القلوب بدأت تتحرك فى إتجاه تكوين فكرة ثابتة و هدف ثابت فى حياتنا، ألا و هو الإقدام على خدمة الأمة على أمل الوصول بها إلى مرحلة نشعر فيها بالعز من جديد و بأنه فى مقدورنا النهوض مرة أخرى كأى مارد يقوم فى أى وقت من الأوقات. و العالم بأسره فى حالة إنتظار لنهوض المارد الإسلامى من جديد حتى أن أرنولد توينبى، المؤرخ الغربى و الكاتب يقول أن الصحوة الإسلامية غافلة وعلينا أن نزيد غفلتها و إلا فالمارد الإسلامى سيقوم و لن نستطيع أن نقف أمامه. و لذا فنحن فى انتظار الزلزال... مثل ما حدث بحطين، لإن ماإستخدمه المستشرقون فى كتبهم للتعبير عن ذلك الحدث المهيب كان لفظ" الزلزال " و ليس " حطين " حيث كان زلزالا بالفعل، زلزل كيان أوروبا بأسره حتى وصلت مسامع الأمور هناك إلى أكبر كبير وأصغر صغير.

" هل من صلاح يعيد السيف فى يدنا أو تبتروها فقد شلت أيادينا "

الحق يقال، هناك شخصيات توفى أصحابها منذ أمد طويل و لكن الإنسان يشعر بقشعريرة عند ذكرها كما لو كانت حية بيننا. و هناك، فى المقابل، شخصيات معاصرة يتم ذكرها فتكون سببا لقسوة القلب و الإبتعاد عن الطريق القويم. و لذلك، فقد أردت من هذا الكتاب أن يكون سببا فى إيقاظ الشعور بالمهمات التى يتعين علينا القيام بها، و هى تتلخص فى تسعة عشر مهمة. و عليه، بدءا من الباب القادم، مطلوب إتباع الدرس العملى المقدم فى اخر كل باب حتى تكون هناك نقلة على المستوى القلبى و الشعورى لدى الأمة ككل، عسى الله سبحانه و تعالى أن ينفعنا و ينفعكم بما نكتب.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وائل
عضور نشيط
عضور نشيط



ذكر عدد الرسائل : 17
العمر : 34
العمل : طالب
المزاج : سعيد دوما
تاريخ التسجيل : 04/08/2008

صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1   صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1 Icon_minitimeالسبت سبتمبر 13, 2008 1:22 am

جزاك الله خيرا أخي و جعله في ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صلاح الدين... البطل المغوار... والشاب المنتظر 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى الرسمي للشيخ رجب ديب حفظه الله تعالى :: «»«»«»«»المنتدى الاسلامي «»«»«»«» :: شخصيات اسلامية عظيمة-
انتقل الى: